وجهة نظر : السيرة الشخصيّة... في السينما المصريّة

نشر في 14-09-2008
آخر تحديث 14-09-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين يحكى كثيرا اليوم عن تقديم حياة المشاهير في أعمال الدراما، والحق أن للسينما المصرية إسهاماً قديماً في هذا المجال، فهي التي قدّمت في وقت مبكر أعمالاً عن بعض الأفذاذ الأوائل في الإسلام، مثل خالد بن الوليد (جسّد شخصيته حسين صدقي) وبلال بن رباح (جسّد شخصيته يحيى شاهين).

في التاريخ الوطني والنضالي، قدمت مصر فيلم «مصطفى كامل» إخراج أحمد بدرخان وتأليف فتحي رضوان، إلا أنه واجه العراقيل إلى أن قامت ثورة يوليو عام 1952 وسمحت بعرضه بل واحتفت به، وفي تلك الفترة (الثورة)، أُنتج فيلم عن القائد التاريخي صلاح الدين الأيوبي ومعركته لتحرير القدس من إخراج يوسف شاهين، وآخر للمخرج نفسه عن الفدائية المجاهدة الجزائرية جميلة بوحريد وتضحياتها في صفوف الكفاح الشعبي للاستقلال. من الشخصيات الكبيرة في الفنون والثقافة الوطنية، موسيقار الشعب سيد درويش، الذي أخرج أحمد بدرخان فيلماً يحمل اسمه وهو من أنضج الأفلام التي تناولت السير الشخصية لأحد الرواد.

في السنوات الأخيرة، رأينا فيلم «ناصر 56» للمخرج محمد فاضل والمؤلف محفوظ عبد الرحمن، وآخر للمخرج نفسه مع الكاتب ابراهيم الموجي بعنوان «كوكب الشرق»، لم يلق النجاح بل جاء مضطرباً، بينما أخرج محمد خان «أيام السادات» كتبه أحمد بهجت، وأخرج شريف عرفة «حليم» تأليف محفوظ عبد الرحمن أيضاً، أدت فردوس عبد الحميد شخصية أم كلثوم، بينما أدى أحمد زكي، على التوالي، شخصيات كل من عبد الناصر والسادات وعبد الحليم. بدوره قدّم التلفزيون مسلسلات عن عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم، بالإضافة إلى مسلسلات عن عبد الله النديم وعباس محمود العقاد والملك فاروق (العام الماضي) وأسمهان وناصر (هذا العام). اللافت أن السينما المصرية لم تقدم أفلاماً عن تلك الشخصيات بعد تجسّد حياتها وسيرتها، وإن ظهر «فاروق» أحياناً في أفلام «خفيفة» أو «سخيفة»، أحدها لنادية الجندي. لكن توجد شخصية أخرى شاركت السينما والتلفزيون في تقديمها هي طه حسين، قدم المخرج يحيى العلمي سيرته في مسلسل «الأيام» عن كتاب حسين الذائع الصيت، وقدم المخرج كمال الشيخ سيرته في «قاهر الظلام» من تأليف كمال الملاخ، أدى الشخصية في المسلسل أحمد زكي (في أول أعمال السيرة التي قدّمها) بينما أداها محمود ياسين في الفيلم.

في السينما التسجيلية، قدِّمت أفلام عن عبد الناصر خصوصاً في أعقاب رحيله عام 1970، وأخرى عن نجيب محفوظ لعل أهمها الفيلم الذي أخرجه هاشم النحاس، ومن الأفلام التسجيلية التي تظل لها قيمتها الخاصة الفيلم الطويل «محمد بيومي» الذي أخرجه د. محمد كامل القليوبي عن الرائد السينمائي الكبير ذي السيرة المميزة.

تقديم السير الشخصية في السينماوكذلك في الدراما، أمر مطلوب، وله جاذبيته في تقديم شخصية قدوة ودروس من التاريخ والحياة من ناحية، وتقديم فن ممتع فنيًّا وجماليًّا بقدر ما هو نافع فكريًّا وقيميًّا من ناحية أخرى.، لكن للأسف السينما المصرية ليست «دؤوبة» في هذا المجال، أحيانا بحجة عدم الإقبال وأحياناً أخرى لضخامة التكلفة. لكن العمل الصادق الجاد، الذي يجسد سيرة شخصية ويقدم رؤية موضوعية لجوانبها ومكوّناتها وعصرها، يلقى تقديراً مستمراً واعتزازاً خاصاً دائماً من الجمهور، ولا أدل على ذلك من أن فيلم شاهين «الناصر صلاح الدين» ما زالت له قيمته ومكانته، وما زلنا نعتد بفيلمي بدرخان عن «مصطفى كامل» و{سيد درويش»، كذلك فاجأ «ناصر 56» الجميع بنجاحه الذي فاق التوقعات.

يساهم الصدق الفني والتدقيق والموضوعية والإتقان في إبداع عمل له قيمته وأثره الإيجابي ويقبل الناس على مشاهدته جيلاً بعد جيل. من هنا لقي كل عمل درامي، عن سير الشخصيات، توافرت له تلك المقومات، نجاحاً واحتفاءً، أما الأعمال التي لاقت الإخفاق أو الفشل الذريع، فهي تلك التي استخفت بالحقائق والوقائع الأساسية، كذلك بالمتلقي وبمخاطبة عقله وقلبه بصدق، فأعرض عنها الجمهور.

back to top