استجواب رئيس الوزراء والأجواء المصاحبة له لا يجب أن يرقى إلى مستوى أزمة، فالمسألة ببساطة هي إما أن يصعد المنصة ويواجهه، وإما أن يعلن عدم قدرته على المواجهة ويرحل، فلماذا إضاعة الوقت في التفاصيل والدخول في نوايا ودوافع المستجوبين ومعارضيهم؟

Ad

دخلت عليَّ والدتي قبل أيام أثناء مشاهدتي إحدى جلسات البرلمان البريطاني على قناة (C-SPAN)، وكما هو معروف عن البرلمان البريطاني أن النقاش فيه حاد ومباشر كمناظرة لكل طرف فيها جمهوره، إذ يوجه العضو سؤالاً للحكومة، ويرد عليه رئيس الوزراء غوردن براون مباشرة، ثم يعقب عضو آخر على رد الرئيس محاولاً إحراجه، فيرد عليه الرئيس الصاع صاعين، ذلك وسط صيحات الاستحسان والاستهجان من بقية الأعضاء. رفعت والدتي حاجبيها مستغربة: «شصاير عندهم؟» فأجبت: «مو صاير شي... جلسة،» فسألت مستنكرة: «مو صاير شي وهم يتهاوشون؟»، فرددت: «هذه طبيعة نقاشاتهم، كل جلسة بمنزلة استجواب».

استجواب رئيس الوزراء والأجواء المصاحبة له لا يجب أن يرقى إلى مستوى أزمة، فالمسألة ببساطة هي إما أن يصعد المنصة ويواجهه، وإما أن يعلن عدم قدرته على المواجهة ويرحل، فلماذا إضاعة الوقت في التفاصيل والدخول في نوايا ودوافع المستجوبين ومعارضيهم؟ هذا من حيث المبدأ، أما من حيث الواقع، فإنه من الواضح أن محاور الاستجواب تم إعدادها بالقص واللصق، ومن لا يستطيع تفنيد استجواب بهذه الركاكة فإنه لا يستحق أن يؤتمن على إدارة البلد ومصالحه.

إن الاستجواب أمر طبيعي في أي نظام ديمقراطي، والأمر الأكثر طبيعية منه هو أن يكون رئيس الوزراء على أهبة الاستعداد للإجابة عن أي سؤال وتفنيد أي اتهام، هذه ليست أزمة، بل سُنّة الحياة الديمقراطية. في بريطانيا كل جلسة برلمان بمنزلة استجواب، وعلى رئيس الوزراء أن يرد على كل ما يوجه إليه في الجلسة مباشرة، وفي الولايات المتحدة تتمتع لجان الكونغرس بسلطة استدعاء الوزراء ومسؤولي البيت الأبيض في أي وقت لاستجوابهم تحت قــَسَم اليمين وأمام وسائل الإعلام، أما لدينا، فعلى النائب أن يوجه أسئلته كتابة، وللحكومة الرد عليها بعد أسبوعين أو أكثر بموافقة المجلس، كما يوجه الاستجواب كتابة، ولا يناقش إلا بعد ثمانية أيام، ثم يحق للحكومة تأجيله لأسبوعين، ثم أسبوعين آخرين بقرار من المجلس، ثم تأجيله لأي مدة تريدها بموافقة أغلبية المجلس، وفي حالة تقديم طلب طرح الثقة فإنه لا يصوت عليه إلا بعد سبعة أيام. إذن الدستور واللائحة يوفران كل تلك الضمانات للحكومة ويضعان عامل الوقت في مصلحتها ويبعدان عنصر المفاجأة عنها. ومع كل هذه الضمانات والأفضلية للحكومة بالإضافة إلى الدعم من جميع الكتل السياسية، فإن من لا يستطيع أن يستعد لتفنيد الاستجواب، فإنه لا يستحق أن يؤتمن على إدارة البلد ومصالحه.