عقد في صنعاء «15» يوليو 2008، المؤتمر التأسيسي لـ«هيئة الفضيلة» برئاسة الشيخ عبدالمجيد الزنداني -رئيس جامعة الإيمان والقيادي بحزب الإصلاح– وحضر هذا المؤتمر، أكثر من «5» آلاف من العلماء ومن شيوخ القبائل، تحت شعار «من أجل حماية الفضيلة وحراسة الشريعة وثوابت الأمة» وحتى «لا تغرق السفينة».

Ad

أعلن المؤتمر تشكيل لجنة من «42» عالماً وشيخ قبيلة، لوضع الترتيبات اللازمة لتشكيل الهيئة والإعلان عنها رسمياً، وأصدر بياناً، حدد فيه أهداف الهيئة في التصدي للمنكرات ومحاربة ظاهرة الانحلال الأخلاقي المتفشية في المجتمع بسبب المخدرات وتعاطي الخمور وبخاصة في الفنادق والملاهي وانتشار الرذيلة والقنوات الفضائية الجنسية، وبروز ما سموه «الأقراص المدمجة» لفتيات يمنيات يراقصن «خليجيين» ماجنين، وكذلك انتشار ظاهرة الاختلاط في المدارس والجامعات والمطاعم والأندية. وكل هذه الأمور التي تلحق العار بسمعة اليمن مما ينبغي التصدي لها كضرورة شرعية ملحّة.

وكانت المفاجأة الكبرى، أنه قبل انصراف المشاركين، تم توزيع كتيب بعنوان «رسالة علماء اليمن بشأن الكوتا النسائية» تضمن فتوى موقعة من مئة عالم يمني، بتحريم «نظام الكوتا النسائية» – أي تخصيص مقاعد للنساء في البرلمان– لأنه يتعارض مع الشريعة، كما تحذر الفتوى من «فتح باب التسابق لخروج النساء من المنزل والاختلاط بالرجال «لأنه سيؤدي إلى الفوضى الجنسية وضياع العفة وانتشار الزنى، وكثرة الأولاد غير الشرعيين.

يرى الكثير من المراقبين للساحة السياسية اليمنية، أن «هيئة الفضيلة» اليمنية، ما هي إلا نسخة أخرى عن «هيئة الأمر بالمعروف «السعودية، تمتاز عنها بأنها ستؤدي دوراً سياسياً بارزاً في قمع الحريات ومصادرة الحقوق وفي محاربة دعاة الإصلاح والتنوير الذين يساندون الانفتاح السياسي ورغم تأكيد الشيخ حمود الذارحي –أحد أبرز مؤسسي الهيئة– بأن الهيئة أداة «إرشادية» للأجهزة الحكومية، وليست «تنفيذية» وأنها تختلف عن الهيئة السعودية في أنها لن تلاحق الأفراد إنما ستقوم بملاحقة الجهات والأشخاص الذين يقومون «بجلب العاهرات من الخارج» ويبيعون أعراض الأمة في الفنادق والمراقص، فإن الإرهاصات الأولية تنبئ بخلاف ذلك، إذ يقول مراسل صحيفة «الراية» القطرية في صنعاء، إنه بعد «3» أيام من المؤتمر تلقى المشاركون في خدمة GSM رسالة، تحذر أولياء أمور الفتيات ممن فوق سن العاشرة بأن «هيئة الفضيلة» ستعاقب أي فتاة تسير في الشارع وحدها دون محرم أو تكون موجودة في مكان عام!! كما تحذر من الحديث عن الرئيس اليمني في شأن من الشؤون العامة لأن ذلك يعد أمراً مخالفاً للدين، حيث إن الرئيس غير موجود في مجالس القات اليمنية والحديث عنه يعد «غيبة» محرمة.

ويقول المراسل اليمني نبيل الكميم: إن نشطاء دينيين ينتمون إلى حزب الإصلاح تعقبوا من يعتقدون أنهم يمارسون الرذيلة حيث فرضت مجموعة منهم سيطرتهم على مدينة «الحديدة» الساحلية، من خلال منع إقامة المهرجانات والحفلات الغنائية، وذكرت الأنباء أن المجموعة الدينية تسببوا في سجن «13» امرأة بتهمة الاختلاء بأجنبي. وقد رصدت «الراية» القطرية ردود فعل الساحة اليمنية تجاه الهيئة في استطلاع كبير تحت عنوان «هيئة الفضيلة، تُثير الرعب في اليمن» جاء فيه: إن النخب الثقافية والصحافيين والليبراليين من مختلف التيارات السياسية، أعلنوا رفضهم المطلق لمسعى تشكيل ما يسمى بهيئة الفضيلة، واعتبروا أنها تمثل الوجه الآخر المقّلد، لهيئة الأمر بالمعروف السعودية، موضحين أن النظام السعودي يقوم منذ سنوات بمراجعة حقيقية لنشاط هذه الهيئة، ومذكرين أن الكثير من الأنشطة التي كانت تقوم بها قد تم الحد منها.

وقال السياسي اليمني مصطفى أحمد النعمان: البيان الذي أصدره المجتمعون في ملتقى حماية الفضلية، لم يتحدث عن هموم المواطنين، وابتعد عن البحث عن جذور القضايا التي تحدثوا عنها، بينما ركز البيان على قضايا انتشار الفاحشة كما يزعمون وضرورة إنزال العقاب بمن أطلق عليهم «الموالعة»، كما شمل هجوماً على كل مواطن مخالف لهم في الرأي ودعوة صريحة لملاحقتهم؟. فهل حماية الفضيلة تسمح بتكفير المواطنين بخفة واستهتار، أما الدكتور ياسين سعيد نعمان، أمين عام الحزب الاشتراكي، فقد وصف تأسيس الهيئة، بأنه «محاولة لإرجاع اليمن إلى البُنى التحتية الرجعية لما قبل الدولة «مؤكداً بأن أهداف الهيئه، سياسية وليست دينية» ومن جانبه قال طارق الشامي، رئيس دائرة الفكر والإعلام في المؤتمر الشعبي العام الحاكم، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كمبدأ هو مهمة جميع المسلمين دون استثناء، لكن الدولة هي المعنية بمحاسبة الناس من خلال مؤسساتها، أما نقيب الصحافيين الأسبق عبد الباري طاهر فقد قال إن المجتمع اليمني فيه عشرات المآسي مثل تجارة الأطفال والثأر والحرب والاختطاف والقتل في كل مكان والمجاعة والفقر، وقال: إن الفقر هو «الكفر» الحقيقي، وإنه مع ذلك يريدون تكوين هيئة رقابة دينية.

وقد رفضت المعارضة اليمنية هذه الهيئة وعبرت عن موقفها من خلال بيان مشترك اعتبر إعلان الهيئة، إنما هو خلط للأوراق وإرباك للحياة السياسية في محاولة رسمية بائسة ومفضوحة لصرف الأنظار عن عجز السلطة وفسادها وتحميل الآخرين تبعات أخطائها بما في ذلك تعطيلها لدور وفاعلية الأجهزة والمؤسسات الرسمية والعمل خارج الدستور والقانون النافذ، وقالت: إن دور مثل هيئة الفضيلة ينبغي أن تقوم به أجهزة الدولة القائمة في البلاد.

في الواجهة المقابلة للمشهد، أصدر الشيخ عبدالمجيد الريمي، رئيس مجلس أمناء مركز الدعوة السلفي، فتوى ذكر فيها بأن ما نشر من مقالات تنتقد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو «رِدَّة» عن دين الله وكفر، وعلى المنتقدين التوبة، أما الشيخ حمود الذارحي فقد وصف المنتقدين بأنهم «موالعة» وهي كلمة يمنية شعبية تطلق على من يُعرف عنه بأنه يشرب الخمر ويتعاطى المخدرات أو من يكون من أصحاب العادات الشاذة.

واضح من هذا الجدل الساخن وحملات التشكيك المتبادلة، أن تخوفات المعارضة من الهيئة لها مبرراتها، فهي هيئة «رقابية» ستفرض وصايتها الدينية على المجتمع وستحصي على الناس أنفاسهم وتراقب سلوكياتهم وتحاكمهم عليها، ولكن وبعيداً عن هذا الجدل، أود طرح ملاحظات يتجاهلها المتحمسون لأمثال هذه الهيئة:

1- إذا كانت الهيئة ستتصدى للمنكرات وستلاحق المفسدين، فما هو إذن عمل الأجهزة الرسمية المنوطة بها –قانوناً– تلك المهمة؟ وألا يتضارب عمل الهيئة مع عمل تلك الأجهزة؟ وما الذي ستضيفه الهيئة إلى عمل تلك الأجهزة؟

2- أفرزت كل الممارسات السابقة للهيئات الدينية المشابهة في أفغانستان وإيران والصومال وغيرها، ثماراً مريرة، نفّرت الناس، وكرهّتهم فيها، بسبب سوء ظنها بالناس وملاحقتها لهم، وتتبع عثراتهم، ومحاكمتهم، بل شكلت كابوساً خانقاً على النفوس بدليل أن زوالها في أفغانستان بعد طالبان شكل فرحة عارمة للناس. فهذه الهيئات تشغل الناس بخلافيات عقيمة مثل: النقاب واللحية وتقصير الثياب وحرمة الأغاني والتصوير والاختلاط وقيادة المرأة للسيارة ووضعيتها المجتمعية، وهي أمور خلافية لا يجوز الإنكار فيها أو فرض رأي واحد فيها، وفي كل ذلك صرف لجهود المجتمع عن القضايا الكبرى كالعدل والحرية والشورى والمساواة والتنمية والإنتاج، تلك النتائج المريرة تثبت أن الفضيلة إذا أصبحت مهمة «هيئة» تكون عقيمة، وضررها أكبر من نفعها.

3- الحكم على المجتمع اليمني بسيادة ظاهرة الانحلال الأخلاقي، حكم لا سند له، وتعميم خاطئ، وسوء ظن بالناس منهي عنه في الإسلام، الذي علمنا أن نكون أعدل وأرفق في الحكم. وما ذكروه من منكرات، موجودة في كل المجتمعات البشرية ولا تشكل ظاهرة، تستدعي «هيئة» لمحاربتها بل هي مسؤولية المجتمع بأفراده وأجهزته ومنابره الدينية والتعليمية والإعلامية. فهل يعتقد الساده أصحاب الفضيلة أن حماية الفضيلة شأن خاص بهم وحدهم؟!

* كاتب قطري