يقدم الشاعر علي حسين الفيلكاوي في ديوانه الأخير «أنت أيضاً ... وداعاً» شعراً خالصاً، وقصيدة نثر صافية لا تشوبها شائبة.

Ad

حين قرأت الديوان للوهلة الأولى تبادر إلى ذهني سؤال يتعلق بسردية القصيدة، وكيف يمتلك الشاعر مهارة اللعب في المنطقة الوسطى، ويمسك زمام قصيدته، قبل أن تقع في ترهّل القصة وانسياب سردها، وهو في الوقت ذاته لا يركن إلى الغنائية والصور الوجدانية المستهلكة.

اللغة وحدها تمنح النص شعريته، وكذلك ترابط المعنى، وانسياب الفكرة، واختزال المضمون.

يقول في نص بعنوان «سعيد»: «لا أريد ريشاً إضافياً/ ولا لمعان أحذية مجنحة/ أكتفي بما لدي من هواء العصافير/ لا أريد سماء فوق سمائي/ ولا سفناً لقراصنة أشرار وحالمين/ أكتفي بموجتين وضوء آمن/ لا أريد نهدين طريين/ يبرقان في صندوق الغابة/ أريد أن أؤجل موتي/ خمس سنوات فقط/ وأوفر لدمي مزيداً من الكحول الحلال»

كنت قرأت قبل عدة سنوات «لمسات ضوئية» صادر عام 1997وهو الديوان الثاني للشاعر، أجده في ديوانه الأخير مختلفاً إلى حد كبير، فهو لا يمنحنا فرصة للتحدث عن التفعيلة، أو استخدام مصطلح مراوغ مثل «الإيقاع الداخلي»، يمنحنا شعره نثراً، وسرده شعراً، يعترك مع الحياة، يجنح نحو التدمير، ويحمل لواء الموت، يظهر ذلك في قصائد مثل: «نداء الجندي الجريح»، «اعتراف»، «ربما رؤية»، «معركة»، «راحة». لا تخلو واحدة من القصائد السابقة من مفردات مثل «لأقتله، لأدمره، جثث القتلى، العويل، الرصاص النازف» يقول:

«أيها الشبان البعيدون/ أيتها النسوة والفتيات الحوامل/ أيها الرُضَّع الذين أهملوا حلمات الأمومة/ لم يتبقَّ سوى الرصاص النازف/ وغبار الدبابات الساخن/ وراء العويل الوحيد/ ما تبقى من أعضائنا يناديكم/ من القبور التي لم تُحفر بعد/ من حمالات الجرحى المتكسرة/ وصواريخ الطائرات المنطلقة نحونا/ من الثكنات المتناثرة/ ومن قرب جثة رفيقي الممزقة».

يسخر الفيلكاوي من الموت، (قصيدة نكتة)، ويشرك أصدقاءه هاجس الفراق، وعبث التدمير. يجنح نحو التأمل ومنه يستقي عوالمه الشعرية، يعلن حبه للشمس والخيوط الزرقاء، وكذلك العاهرات. يقول:

«أخاف من الشمس/ لأن لها عينين/ وأحب الظلام الخافت لأنه يخيفني/ ويلفني في مهاده الأبيض الآمن/ أحب تماهي الخطوط الزرقاء/ العاهرات على حافة الانتحار/ والأموات منذ ثلاثة أجيال/ لأنهم لا يحدقون بي/ ويتركونني في... حالي أصعد».

في قصيدة «الملامح الصيفية من مسالك الغبار إلى بيت المطر» تطول العبارة، حتى تكاد تفلت من يديه الخيوط الشعرية، لكنه لا يلبث أن يعود، ويفاجئنا باختزاله الشعري ورؤيته المقتضبة في قصائد مثل: «أصدقاء»، «أفكر»، «نساء وسرير»، «اعتذار»، و»صباح الورد».

يصنع الفيلكاوي في ديوانه هذا تجربته الشعرية، المختلفة. وهي تجربة تستحق القراءة والـتأمل، لاسيما في إطار دراسة قصيدة النثر الحديثة في الكويت، أو التأريخ لشعرائها وتقنيتها الإبداعية.