Ad

إن حالة الإحباط العامة التي يعبر عنها الناس بأشكال مختلفة لا يتحمل مسؤوليتها مجلس الأمة. فرغم بعض الممارسات الخاطئة لعدد من أعضائه، فإنها تبقى بالدرجة الأولى مسؤولية الحكومة التي من المفترض أنها تُشكّل بناءً على مشروع تنموي لنهضة الكويت، على أن تتولى بنفسها تسويقه والدفاع عنه داخل المجلس وخارجه للوصول إلى حالة توافق وطني بشأنه.

تصور بعض وسائل الإعلام لدينا، وبشكل لا يخلو من المبالغة والتضخيم، ممارسة أعضاء مجلس الأمة لصلاحياتهم الدستورية بأنه عملية تأزيم، متناسية عن عمد أن الدور الفعلي لمجلس الأمة هو الرقابة والتشريع اللذين يتولاهما المجلس باستخدام أدواته الدستورية المتضمنة توجيه الأسئلة، وتشكيل لجان التحقيق، وتقديم الاقتراحات بقوانين، والتلويح بالاستجواب ومن ثم تقديمه.

لست هنا في وارد الدفاع عن بعض الممارسات الخاطئة لبعض أعضاء مجلس الأمة، ولكن هذا هو واقع الحال في برلمانات العالم كلها. فعادة ما يكون هنالك بعض الأعضاء الذي يطرح عدداً من القضايا الهامشية ويعتبرها أولويات بالنسبة له، وتعتمد قدرته على توجيه المجلس والرأي العام على الدور الذي تلعبه الحكومة في الدفاع عن خططها التنموية وبرامجها وسياساتها البديلة لتعزيز الديمقراطية وإقامة دولة سيادة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية، لتكون هي الأولوية بدلاً من القضايا الهامشية. كما يعتمد ذلك أيضاً على دور القوى والعناصر السياسية الوطنية الفاعلة في المجلس ومدى قدرتها على طرح مشاريع ورؤى مستقبلية بديلة يتم تسويقها شعبياً والدفاع عنها داخل المجلس وخارجه.

لذا فمن غير المعقول أن يتم الترويج تلميحاً تارة وتصريحاً تارات أخرى لحل مجلس الأمة إذا ما قام أعضاؤه بممارسة دورهم الدستوري، لان عدم ممارسة مجلس الأمة لهذا الدور سيحوله إلى مجلس استشاري على غرار سيىء الذكر المجلس الوطني الذي أنشئ قبيل الاحتلال، الذي يبدو أن بعضهم لايزال يحن إلى عودته رغم أن موقف الشعب الكويتي الرافض له كان واضحاً وجلياً.

إن حالة الإحباط العامة التي يعبر عنها الناس بأشكال مختلفة لا يتحمل مسؤوليتها مجلس الأمة. فرغم بعض الممارسات الخاطئة لعدد من أعضائه، فإنها تبقى بالدرجة الأولى مسؤولية الحكومة التي من المفترض أنها تُشكّل بناءً على مشروع تنموي لنهضة الكويت، ومن ثم تقوم بالتحالف مع القوى التي توافق على هذا المشروع. ولكن بعد نتائج الانتخابات البرلمانية والتشكيل الحكومي الأخيرين هنالك مَن يتخوف من أننا قد نعود إلى المربع الأول، وهذا ما نتوقعه في ظل ثبات العوامل السابقة نفسها التي أدت إلى حل مجلس الأمة مرتين متتاليتين في غضون عامين، ويظل السؤال المطروح هو ما العمل إذن؟

في اعتقادنا، وكما سبق وطرحنا، أن تجديد الحياة السياسية الذي يبدأ أولاً بالإصلاح السياسي، هو البديل المناسب لعلاج الأزمة السياسية التي نعانيها. وهنا فإن المسؤولية الآن تقع على عاتق الحكومة لأنها المهيمنة دستورياً على المصالح العليا للدولة، فبوسعها أن تطرح مشروعها المستقبلي لبناء الدولة الدستورية الحديثة، وتتولى تسويقه والدفاع عنه داخل المجلس وخارجه للوصول إلى حالة توافق وطني بشأنه. ومن المفترض أن يكون الإصلاح السياسي المتضمن تجديد الحياة السياسية هو نقطة الانطلاق في هذا المشروع المستقبلي. فالكويت ليست الدولة الأوحد في العالم التي تشهد أزمات سياسية، ولكن الدول الحية تضع الحلول العملية لتجاوز أزماتها. ونحن للأسف ندور في الحلقة المفرغة نفسها رغم المقومات الفريدة المتوافرة لدينا لبناء دولة مدنية عصرية.

إن من مصلحتنا جميعا التعجيل بعملية الإصلاح السياسي التي تشمل في جانب منها إصلاح المؤسسة البرلمانية، ولكن ليس من مصلحتنا كمواطنين المساهمة في «خلع» أنياب مجلس الأمة، لأن مجلساً من دون أنياب هو مجلس استشاري «لا يهش ولا ينش».