البقاء للّه

نشر في 29-05-2009
آخر تحديث 29-05-2009 | 00:00
 د. محمد لطفـي في مواقف كثيرة تفقد الكلمات معناها، ومن هذه المواقف موقف العزاء، وقد أحسست ذلك شخصيا وقت وفاة والدي ووالدتي، فقد كنت أستمع لكلمات العزاء من الأصدقاء والأحباء وكأني بلا أذنين أو بلا عقل.

لا يملك الإنسان أمام فجيعة الموت إلا أن يمتثل لإرادة الله سبحانه وتعالى، فالموت والحياة كلاهما إرادة خالصة لله لا يملك الإنسان مهما كانت سلطته وقوته وماله وجبروته أن يقف أمامها أو يعترض عليها، فالموت هو العدو الذي لا يقهر ورغم قسوته ومرارته لا نستطيع أمامه سوى التحلي بالصبر والرضا بالقضاء، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا «إنا لله وإنا إليه راجعون».

كانت وفاة حفيد الرئيس مبارك مفاجأة حزينة للملايين لم يتوقعها أو يتخيلها أحد، أصابت الجميع بالأسى والألم، فأمام الموت يقف الإنسان عاجزا عن فعل شيء مشتت الفكر تتراقص أمام عينيه كل أدوات الاستفهام: ماذا؟ لماذا؟ من؟ متى؟ ... إلخ.

لقد صدم الشعب كله بالنبأ الحزين، ففضلا عن أن الأخبار الاجتماعية والعائلية لأسرة الرئيس نادرة، وليست متاحة أو مستباحة للإعلام، ويتم التنويه عنها عادة ببيانات مقتضبة، فإن الطبيعة المصرية الخاصة بالتفرقة بين سلوك الأبناء وفعل الآباء، بين طهارة الأطفال وآثام الكبار، تفرض نفسها دائما على فكر المواطن المصري وعقله، فإذا كان الله سبحانه وتعالى لا يحاسب الطفل قبل بلوغه ولا على ما يفعله أبواه فهل يحاسبه البشر؟! لذلك يحظى الطفل- أي طفل- دائما أبدا بمحبة إنسانية خالصة دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى.

في مواقف كثيرة تفقد الكلمات معناها، ومن هذه المواقف موقف العزاء، وقد أحسست ذلك شخصيا وقت وفاة والدي ووالدتي، فقد كنت أستمع لكلمات العزاء من الأصدقاء والأحباء وكأني بلا أذنين أو بلا عقل، بل أشعر- وعذرا- بسخافة الكلمات وفقدها معناها، فالكل يردد الكلمات المعتادة (اصبر... تحمل... لا تجزع... كلنا هنموت... إلخ) لذلك لا أفضل ترديد هذه العبارات، فالموت صدمة لا يشعر بها– مهما كانت درجة العلاقة- إلا صاحبها وهو وحده الحزين المكلوم، ولن تفيده كلمات العزاء والرثاء وما يفيده فقط أن ندعو الله دون علم صاحب البلوى أن يثبته ويعينه، أما غير ذلك من عبارات نمطية معتادة فلا أثر لها.

وإن كان هناك من درس- رغم البلاء- فهو أن ندرك جميعا أن الموت أقرب إلينا من أنفسنا، فلنتهيأ جميعا لملاقاته، فقد يأتي اليوم قبل الغد، وقد يأتي قبل نشر المقال، وربما قبل إتمامه.

وأختم بقول شاعر يرثي ولده:

يا غائبا ما يؤوب من سفره *** عاجله موته من صغره

يا قرة العين كنت لي أنسـا *** في طول ليلي وفي سحره

شربت كأسا أبوك شـاربها *** لا بد يوما له في كبره

فالحمد لله لا شريك له *** في علمه كان ذا وفي قدره

قد قسم الموت للعباد فما *** يقدر خلق أن يزيد في عمره

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top