وجهة نظر الغابة أو حصاد الأرض الخربة!

نشر في 16-06-2008 | 00:00
آخر تحديث 16-06-2008 | 00:00
 محمد بدر الدين

بدأ عرض فيلم «الغابة»، إخراج أحمد عاطف، في الصالات المصرية، في مستهل موسم الصيف، بعدما عرض في بعض المهرجانات. يلاحظ من يشاهده جدية واضحة، سواء في اختيار الموضوع أو طريقة المعالجة، وإن تحفَّظ البعض حول مدى ما يمكن أن يحققه الفيلم للمشاهد من اندماج أو تفاعل مع أحداثه وشخصياته.

يرجع السبب في ذلك إلى موضوعه الذي لم يعالج من قبل في السينما الروائية المصرية، وهو ظاهرة أطفال الشوارع التي استفحلت في الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى طبيعة المعالجة وصيغتها، إذ أضفى المخرج على الفيلم روحاً ومنحى تسجيلياً أو وثائقياً، ممزوجاً بالبنية الروائية التمثيلية.

لم يقدم الفيلم، الذي كتبه أحمد عاطف مع المؤلف الموهوب ناصر عبد الرحمن، بناء درامياً تقليدياً متنامياً، إنما حالات ونماذج تعصف بها الأمكنة الخربة والشوارع، حياة بالغة القسوة. تتقاطع أو تتضافر ظاهرة أطفال الشوارع في الفيلم مع الفساد في «مؤسسات الأحداث»،واستشراء جرائم الممنوعات، انتهاء بسرقة الأعضاء البشرية، إنه عالم ضائع، ناتج من فوضى كاملة واختلال شامل.

لا يلبث أن يصبح أطفال الشوارع كباراً، لذلك نتابع وسط مآسيهم الحقيقية، مآسي أخرى فادحة أبطالها الشباب، مثل «برشامة» (حنان مطاوع)، «جميلة» (ريهام عبد الغفور)، «توربيني» (باسم سمرة)، «حموسة» (أحمد عزمي)...

ماذا يمكن أن يكون نتاج تلك الأماكن الخربة والموحشة والعشوائية مع لفظ المجتمع التام للقاطنين فيها، سوى صور الجريمة والممنوعات والقسوة حتى في معاملة بعضهم بعضاً، تفضي «ضربة» من «جميلة» لـ «برشامة» إلى تشويه جانب من وجهها، سرعان ما تكتشف أن العلاج يتطلب عمليات جراحية لا يمكن أن تؤمن كلفتها الباهظة، إلا بالسرقة أو الحرام، وما أن تبدأ بكسب المال حتى يقطع الطريق عليها «توربيني»، فتيأس «برشامة» وتقرر الانتحار من دون تردد، أما «جميلة» فتفقد جنينها من «حموسة»، بعدما يغمد أحدهم السكين في بطنها فيموت الجنين.

بذل الممثلون طاقاتهم في الأداء بخاصة حنان مطاوع وباسم سمرة اللذين قدما أداءً تميز بإحساس كبير وبالدخول الجلي إلى جوهر الشخصية، وبدا ذلك حتى في الإيماءات، النظرة أو طريقة المشي...

كررت الموسيقى التصويرية لـ عمرو إسماعيل تيمة من حين إلى آخر، احتفت، على الرغم من الشجن أو الأسى الكامن فيها، بالحياة ما دفع البعض إلى أن يعيب عليها ما وصف بالبهجة أو الروح المرحة، لكنها في ما بدا لنا موسيقى قصدت التعبير عن ضرورة استمرار الحياة وعدم اليأس ورفض اختيار «برشامة» الانتحار، وهو المعنى نفسه الذي عبر عنه المشهد الأخير الذي صوّر الأطفال يهرعون إلى الاستحمام في النهر ويبتسمون بعذوبة ويحلمون على الرغم من المرارات والعذاب.

يشكل «الغابة»، بنهجه الواقعي ذي اللمسات التسجيلية التي تلتقي مع الطبيعة الروائية، بداية حقيقية لأحمد عاطف يستطيع أن يبني عليها ويتقدم إلى تجارب أرحب وأكثر نضجاً. إنه طريق جديد عليه أن يستكمله ويطور أساليبه وأدواته، بعد «مشوار عمر 2000» فيلمه الأول، الذي يعدّ تجريبياً مغامراً والثاني الذي يعدّ من النوعية التقليدية الخفيفة السائدة، ينطلق فيلمه الثالث «الغابة» في فن ومجتمع جديدين.

back to top