من الذي سعى إلى شق الصف العربي وإضعافه؟
تعرضت قطر لحملات سياسية وإعلامية ضارية وظالمة، منذ دعوتها لعقد قمة عربية طارئة لنجدة غزة والوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي، واتخاذ موقف عربي موحد يدعم كل أشكال المساعدة وصمود المقاومة، ويوقف نزيف الدم الفلسطيني، وتصاعدت تلك الحملات الشرسة، وازدادت ضراوة غداة انعقاد قمة الدوحة التشاورية التي حضرها قادة عرب وممثلون عنهم إضافة إلى الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وخالد مشعل وقادة فصائل فلسطينية ومراقبون عن دول إسلامية وأجنبية. كل تلك الأطراف والجهات التي قادت الحملات الدعائية على قطر، لم تترك وصفاً سلبياً لم تطلقه على قمة الدوحة، فهي «قمة المزايدات» و«قمة سقوط الأقنعة» و«قمة الانقسام العربي» و«قمة الشعارات» و«قمة المسرحية الهزلية» حتى أن بعضهم استكثر وصفها بالقمة، وقال إنها «مؤتمر الدوحة» و«اجتماع الدوحة» ووصلت حدة التجريح إلى وصفها بـ«قمة فارسية» أرادت إيران من خلالها إعلان انتصارها في: إثبات عجز العرب وجامعتهم، وإعادة سورية إلى الصف، وإثبات إيران زعامتها لمحور عربي إسلامي تدعمه جماهير واسعة، والمؤسف أن بعض التحليلات الخليجية انساقت وراء الحملة فاتهمت قمة الدوحة بالسعي إلى تخريب وإضعاف قمة الكويت، وهكذا تعددت تلك الأوصاف والاتهامات لكنها جميعاً اتفقت على هدف واحد هو الهجوم على الدوحة وتشويه دورها العربي واتهامها بتكريس الخلافات وتعميق الانقسام العربي لخدمة الدور الإيراني الذي يزرع الفوضى في المنطقة، ويسعى إلى تقويض الدور المصري، كما ركزت تلك التحليلات على أن هدف قطر من القمة، استغلال مأساة غزة لإبراز دورها الإقليمي على المسرح السياسي كند منافس لأصحاب الأوزان الثقيلة، بهدف تقديم أوراق اعتمادها للإدارة الأميركية الجديدة عبر تقديم نفسها كقوة مؤثرة قادرة على إدارة أوراق اللعبة في المنطقة على خلفية علاقاتها الحسنة بالقوى الثورية الإسلامية من جهة، وعلاقاتها الجيدة بدول الممانعة من جهة أخرى.
ولكل ذي عقل وبصر أن يتساءل متعجباً: لم كل هذا الهجوم على قطر؟ هل أذنبت إذ دعت إلى قمة خاصة لنجدة غزة؟ وإذا لم يجتمع القادة لمثل هذا الحدث الجلل، فمتى يجتمعون؟! ولأي منصف أن يتساءل: ما جريمة قطر حتى تكال لها تلك الاتهامات الباطلة؟ هل يعقل أن تتهم قطر بشق الصف العربي، وأنها بقمتها أحدثت شرخاً في جدران البيت العربي؟ إنه اتهام مضحك حقاً! قطر التي تبذل الجهد والموارد في سبيل ترميم شروخ البيت العربي- وما أكثرها– وتتصدى لإطفاء بؤر النزاع الساخنة، وتسعى إلى إصلاح فساد ذات البين، تصبح اليوم متهمة على يد تلك الأقلام والألسنة غير المسؤولة! إن قطر ليست بحاجة إلى شهادة من أحد، ولكن على تلك الأقلام والألسنة الكف عن المهاترات والارتقاء إلى مستوى المسؤولية القومية، فهم بهذا النهج الاتهامي إنما يساهمون في شق الصف العربي وتعميق انقسامه... من المستفيد من تلك الحملات غير المبررة على قطر؟ وهل يكون جزاء قطر، إذ تجاوبت مع مطالب الجماهير العربية بعقد قمة طارئة، أن تتعرض لتلك الحملات التشويهية؟ وهل جريرة قطر أنها قامت بمسؤوليتها القومية، ودعت القادة إلى كلمة سواء لمواجهة العدوان الهمجي الإسرائيلي؟! ما الضير في اجتماع القادة العرب؟ وما وجه الخطأ في الاستجابة للمطالب الجماهيرية الملحة في اتخاذ موقف عربي موحد؟ ولماذا لا تكون من مصلحة الأنظمة العربية عقد مثل هذه القمة، لاستيعاب غضب ونقمة الجماهير على العجز العربي العام، ولتهدئة النفوس والمشاعر الجريحة للجماهير التي شاهدت العذاب النازل على سكان غزة- أطفالاً ونساءً- يستصرخون ويستغيثون على امتداد 23 يوماً؟! قطر لم تتنكر للجهود العربية خصوصاً الجهد المصري، بل إن سمو أمير قطر في خطابه- قبل القمة- أشاد بالجهد المصري وتمنى نجاح المباحثات التركية-المصري في وقف النار، وأنا واحد من الكتاب القطريين الذين نشرت لهم الصحف القطرية مقالات تشيد بالجهد المصري في تحقيق الوفاق الفلسطيني، وقد ثمنت المبادرة المصرية، وانتقدت الخطاب التحريضي لنصرالله، وكذلك المظاهرات الغوغائية التي استهدفت السفارات المصرية في بعض العواصم العربية- لم تخرج مظاهرة واحدة ضد السفارة المصرية في الدوحة- وقطر إذ تحترم الاجتهادات العربية الأخرى، فإن المفترض في الآخرين أن يحترموا اجتهادها من منطلق أن الاجتهادات العربية، وإن اختلفت أو تناقضت فهي في النهاية، تنويعات تخدم المصلحة المشتركة بطريقة أو بأخرى. وقد كان يسع الذين اعترضوا أو لم يحضروا، ما وسع الرئيس الفلسطيني (أبومازن) الذي اعتذر عن عدم الحضور لكنه وصف قمة الدوحة بأنها (اجتهاد مفيد) نعم، قطر اجتهدت ودعت إلى قمة خاصة بغزة، والمجتهد قد يصيب وقد يخطئ، وهو مأجور في كل الأحوال، هناك في إسرائيل خلافات أعمق من خلافاتنا، واجتهادات أكثر تعارضاً من اجتهاداتنا، لكنهم لا يتهمون ولا يخونون، فمتى نتعلم من إسرائيل فن إدارة الاختلاف، وتوظيفه للمصلحة المشتركة، بدلاً من رمي بعضنا بعضاً بأحجار التهم وقنادر المزايدات؟! واضح أن تلك الأقلام لا تعرف شيئاً عن حرية الاختلاف ولا تطيق أي اجتهاد مغاير لاجتهادها، لأنها تنطلق من وصاية سياسية استعلائية تحتكر الوطنية والقومية وترى نفسها وصية على الثوابت القومية. دعونا نتساءل بكل موضوعية: فيم أخطأت قطر؟ هل في دعوتها إلى القمة قبيل قمة الكويت أم في دعوتها للرئيس الإيراني وخالد مشعل؟ نحن نعلم اليوم أن مقولة «قمة الدوحة لتخريب قمة الكويت» ترهات تجاوزتها الأحداث اللاحقة التي أكدت حرص قطر على إنجاح قمة الكويت، بدءاً بتصريح سمو أمير قطر بأن قمة قطر لا تتناقض مع قمة الكويت، بل تدعمها، ومروراً بحضور الأمير شخصياً وتصريحه بأن لقاء الكويت مهم، ثم قيامه بزيارة أخيه خادم الحرمين الشريفين عقب خطابه المؤثر بطي صفحة الخلافات العربية، وذلك تأكيداً لنبل وجدية المسعى القطري وتبديداً للشائعات وتنقية للأجواء وإزالة لسوء الفهم، وانتهاء بتصريح الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، بأن قمة الكويت ناجحة بكل المقايس، كما أن من سوء الفهم والتحليل، تفسير دعوة نجاد، بأن قطر تروج للمحور الإيراني وتدور في فلكه وتشق الصف العربي، إيران جارة ودولة قوية ومؤثرة في المنطقة وتربطنا بها علاقات جيدة، وكسبها خير من معاداتها، ولا ضير في دعوة رئيسها لتأليفه والاستماع إليه، وقطر ليست من السذاجة حتى لا تدرك طبيعة البرنامج النووي الإيراني وطموحات إيران، لكنها لا تستطيع أن تظل في مقاعد المتفرجين في ظل تقاعس الكبار من القيام بأدوارهم القومية، كما لا يعد دعوة «حماس»، تجاوزاً للخطوط الحمراء، ولا إخلالاً بالثوابت العربية، فالتعامل مع «حماس» ليس من الكبائر المحرمة، ودعوتها للحضور وإتاحة الفرصة أمامها لإبداء وجة نظرها، مسلك سياسي رشيد، ومع أني لا أتفق مع سياسة «حماس» ولا أساليبها في الحكم، كما أعارض نهجها المغامر في المقاومة مثل نهج «حزب الله» المقامر، وأرى أن المقاومة المشروعة، هي المقاومة المستندة إلى بصيرة وعقلانية واقعية مسؤولة عن شعبها ووطنها، وليست عملية انتحار جماعية تضيع الوطن والإنسان والموارد والسلاح، كما أن المقاومة أشكال ودرجات ولا تقتصر على مجرد كنز السلاح أو التلويح به، وقد تكون عمليات التفاوض والجهد السياسي وكسب الرأي العام العالمي، مقاومة أجدى من مجرد إطلاق بضعة صواريخ يكون ضررها أكثر من نفعها، لكن مع كل ذلك، لا مفر من احترام الاجتهاد القطري في ضرورة التعامل مع «حماس» باعتبارها سلطة تنفيذية، وقوة مؤثرة على الأرض، وهي طرف في النزاع، ينبغي عدم تجاهلها وتهميشها في أي تسوية سياسية مقبلة، لكن لا ينبغي أن تحمل الأمور فوق ما تحتمل, إذ لا تعني دعوة «حماس» أن قطر تستبدل سلطة «حماس» بالسلطة الشرعية الفلسطينية، أو تسعى لجعل «حماس» (الممثل الشرعي) البديل للفلسطينيين، ذلك غير وارد وغير واقعي، بدليل أن مقعد فلسطين في القمة ظل شاغراً يرفرف عليه علم فلسطين. على الإعلام العربي الارتقاء فوق الخلافات والجراحات، وعلى الخطاب السياسي العربي تجاوز مفردات التخوين والتآمر والتشكيك والاتهام والتجريح، فذلك الذي يضمن وحدة الصف العربي.* كاتب قطري