صاحب السمو الأمير هو أبو السلطات جميعاً وليس بحاجة إلى مثل هذا النوع من المخاطبات المتعلقة بصلب اختصاصاته الأصيلة، ولكن بعضهم من أصحاب التواقيع لا يغني إلا على ليلاه ولا يلطم إلا لرثاء وزنه وحجمه الحقيقي الذي حددته الديمقراطية والإرادة الشعبية.قد اختلف في تشخيص دوافع التوقيع على الوثيقة التحريضية على مجلس الأمة أو توقيتها أو أسماء الشخصيات والدواوين التي شملتها، فالمدافعون عن هذه الوثيقة قد أعلنوا وبعبارات واضحة التمسك بالدستور والمحافظة على الديمقراطية، وأكدوا أنهم لم يدعوا إلى الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، بل جُل ما أرادوا التعبير عنه هو تأييد النطق السامي لسمو الأمير في جلسة افتتاح مجلس 2008!
ومن هنا، فإن الإثارة والتصعيد قد لا ينفعان في احتواء هذا الموضوع الذي يحتاج أكثر إلى التحليل السياسي الموضوعي لحالة الفوضى الخلاقة التي نعيشها منذ بدايات العهد الدستوري وإلى ما شاء الله، فمنذ ولادة الدستور عام 1962 كانت مجاميع من القوى والأفراد حاقدة على هذا النوع من الحياة السياسية ولم تستسغها يوماً ما، وجرت محاولات كثيرة لإجهاض ذلك المشروع، ولكن من دون جدوى على المدى الاستراتيجي، فرغم النجاح المحدود في تعطيل الحياة النيابية، فإن الظروف والمعطيات السياسية كانت تجر الأمور جراً إلى نصابها الصحيح. ومن هنا، فإن بعض الأسماء الواردة في عريضة 2008 لم ولن يتجرأ في التحريض على تعطيل الدستور من جديد، مثلما فعلت في منتصف السبعينيات والثمانينيات.
ولذلك، فإن أسهل الطرق وأكثرها أمناً من الناحية السياسية هو نقد مجلس الأمة إلى أبعد مدى طالما هذا النقد مشروع وتكفله حرية التعبير عن الرأي، وما إقحام خطاب صاحب السمو الأمير في هذا الصدد إلا نوع من التسلق وضرب من ضروب النفاق السياسي، الهدف منه مجرد الاحتماء من مواجهة سخط الشارع، وهذا ما حدث بالفعل!
فصاحب السمو الأمير هو أبو السلطات جميعاً وليس بحاجة إلى مثل هذا النوع من المخاطبات المتعلقة بصلب اختصاصاته الأصيلة، ولكن بعضهم من أصحاب التواقيع لا يغني إلا على ليلاه ولا يلطم إلا لرثاء وزنه وحجمه الحقيقي الذي حددته الديمقراطية والإرادة الشعبية.
وسجلات التاريخ تثبت هذا المعنى، فكم من أمثال هؤلاء قد كوّن ثروته ونفوذه الاجتماعي في ظل انعدام الحياة الدستورية والرقابة الشعبية، وكم منهم تقلد المناصب العليا والوجاهة السياسية من الأبواب الخلفية، وكم من هذا الرصيد قد تبدد بسبب فرض القانون وهيبة المؤسسات الدستورية وفي مقدمتها مجلس الأمة!
حتى لا نبخس أصحاب هذا الرأي حقهم ولكي نكون منصفين وعادلين في النقد حتى مع مَن لا يعجبهم الدستور ولا أسماء أو نوعيات أعضاء مجلس الأمة، وما دام مثل أصحاب هذا التوجه قد أعلنوا في وثيقتهم الأخيرة، وليس وثيقتهم في عام 1986، بأنهم من دعاة المحافظة على الديمقراطية، فلماذا هذا التقاعس السلبي عن ممارسة دورهم الميداني لترجمة تلك الشعارات؟
ألم تكن الانتخابات الأخيرة التي لم يمض عليها سوى أسابيع قليلة فرصة لهم لتغيير معالم الخارطة السياسية وتصحيح بوصلة البرلمان وسط أجواء التذمر الواسعة شعبياً؟ ولماذا لم يشكل هؤلاء قوائم كمرشحين في المناطق الانتخابية الخمس ويخوضوا الانتخابات العامة بعد تسويق أفكارهم ومبادئهم للشعب الكويتي للعمل في إطار الدستور وإثراء البلد باقتراحاتهم ومواقفهم النيرة؟
لعل الجواب يعرفه بعض أصحاب العريضة قبل غيرهم بأن فرصهم في ظل الديمقراطية الحقيقية تكاد تكون معدومة وأملهم ينحصر فقط في تعيينهم رغماً عن أنف الشعب في مجالس استشارية خارج رحم الدستور، وهذا بعدهم!!