إحدى أهم المشاكل التي تسهم في تفاقم الأوضاع السيئة في الكويت في زماننا هذا هي حالة التكاذب بيننا بشأن ما نعرفه عن طبيعة ما يهدد البلد وحقيقة معضلاته، وبين ما نقوله ونصرّح به ونحاول أن نتحاور حوله لنصل إلى حلول لتلك المعضلات لنجنب الوطن مزيداً من التردي والتشرذم. فالكويت عاشت الأسبوع الفائت على مرجل يغلي بسبب الأزمة السياسية وتدافع الأخبار والمعلومات حولها حتى انتهت بالحل الدستوري.

Ad

الناس في كل مكان كانوا يتحاورون ويتداولون بشأن أحداث مرحلة مخاض اتخاذ القرار ورفع الحكومة لمرسوم الحل الدستوري، بعد أن علمت مسبباته، وكانت هناك أخبار مؤكدة عن قرار مختلف، أكدته مانشيتات الصحف صباح الأربعاء الماضي، ولكنه نُسِخ في مساء اليوم نفسه، هذه الوقائع كلها كانت حديث الدواوين.

ولكن أخطر ما شاع وأصبح يُروى لدى الجميع كحقيقة، ما تردد عن أن أهم أسباب التراجع عن الحل غير الدستوري هي حسابات خاصة بردة فعل ما يُسمى بالمناطق الخارجية وتحديداً القوى القبلية فيها، ولنصيحة دولة إقليمية كبيرة بأن تقاريرها الأمنية تشير إلى أن قلاقل وهزّة أمنية قد تصيب الكويت في حال تعطيل الحياة النيابية، خصوصاً من القوى القبلية التي أصبح البرلمان وسيلتها الأهم للحفاظ على نفوذها وتحقيق مصالحها، وعليه فقد نصحت تلك الدولة حكومة الكويت بعدم الإقدام على الحل غير الدستوري في الظروف الإقليمية الحساسة الحالية.

هذه المعلومة أو الرواية أصبحت تُروى في كل ديوانية وسمعها أغلبية الكويتيين والمقيمين وتتردد في المدونات الإلكترونية، ومن سياقها يتضح أن مَن صاغها وبثها، شخص غير عادي، وأنها محبوكة لأغراض مشبوهة، لاشك أن الغاية الرئيسية منها، لمَن أشاعها وحسب التحليل العقلاني والمنطقي، هي خدمة مصلحته حتى لا يخسر ما بذله من جهود جعلت من مجلس الأمة إحدى أهم أدواته في الصراع مع منافسيه، عبر النواب الذي يصنعهم ويدعمهم أو يستقطبهم ويريد بقاء المؤسسة لهذا الغرض لأن مَن يريد أن يُقسِّم الكويت لا يعنيه المصلحة الوطنية ووحدة نسيجها الذي يؤمِّن مستقبلها، لأنه بالتأكيد يعلم أنه بذلك يضرب في أساسات البلد من دون أن يرف لهُ جفن، بغرض أن يُثبت المناطقية وتقسيم الوطن ليمسك بخيوط اللعبة ويحفظ موقعه، وهي لعبة خطيرة نرى آثارها في الماضي القريب في لبنان وقبرص ومناطق أخرى وحالياً في العراق ونتائجها الكارثية.

تجاربنا الماضية أثبتت أن تجاهل ما كان يتداول عن ممارسات طائفية وأصولية متطرفة وعدم مواجهتها في العقود الثلاثة الماضية، جعلتها تستفحل وتصبح واقعاً نحتار الآن في معالجته، لأننا تجاهلناه عندما كان علينا مواجهته، وهذه الرواية الآن لا يجب أن نتركها تسري بيننا ليجعلها البعض شبه حقيقة ترسِّخ واقعاً على الأرض له مضاعفات خطيرة.

لديَّ أمل كبير بأن الحس الوطني السائد لدى أبناء القبائل، وفي جميع المناطق، سيتصدى لهذه الفرية و«سيفَشِّلُونها» بولائهم المعهود والتزامهم بدولة القانون وسيادته على الجميع من دون تمييز، بتحجيمها وعدم التأثر بها بأي شكل من الأشكال، لأن الكويت فوق الجميع، طوائف وفئات ومناطق، ولا يمكن لأحد أن يصدق أنه يستطيع الحصول على امتياز على حساب وحدتها ومنعتها وأمنها واستقرارها أو بقية مكوناتها الاجتماعية، التي تستهدفه في الصميم مثل تلك الروايات المغرضة، ويحقق غاياتها مَن يُصدِّقها ويتصرف في البلد على أثر مدلولاتها.