خاطرة في المقهى
![حمد نايف العنزي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1461947116815412800/1461947124000/1280x960.jpg)
وهذه السيدة الثمانينية المبتسمة ابتسامة الرضا، وفي وجهها أثر غير مؤكد من جمال قديم، من يدري كيف كان ماضيها؟ أكانت في يوم من الأيام شابة فاتنة الجمال تتهاوى قلوب الشباب طلباً لودها؟ لعلها كانت تبادل أحدهم الحب بحب وشوقاً بشوق، أو لعلها كانت ماكرة لعوباً، هوايتها الكذب والغش والخداع، وهذا العجوز ذو الوجه الطيب الجالس بجانبها، أتراه كان في شبابه رجلاً طيبا أم كان شريراً؟ وكيف أمضى سنين عمره الزاهي، أفي تعاسة وشقاء، أم في سعادة وهناء؟ هل كان رجلاً شريفاً لقمته حلال وملبسه حلال، أم كان لا يفرق بين حلال وحرام؟ أتراه كان مثالاً للشرف والاستقامة، أم كان مجرماً لا يعرف الرحمة؟ وهل كان زمانهم كما يقولون أنظف من زماننا، وناسهم ألطف من ناسنا، وحياتهم أجمل من حياتنا، أم أنه ادعاء فارغ؟! أووه... مالي أنا وهذه الأسئلة السخيفة التي لا طائل منها، فمهما يكن من أمر زمانهم سيبقى بعيونهم أجمل وأنقى، لأنهم كانوا شباب ذاك الزمان حيث الصحة والأحلام والآمال العريضة، ولأنهم عجائز هذا الزمان حيث المرض والوهن والفراغ والشعور بأنهم ضيوف ثقلاء على هذا الزمان وأهله، فكل شيء هنا لا ينتمي إليهم ولا ينتمون إليه، والكثير ممن حولهم ينتظر بلهفة مغادرتهم الكوكب والذهاب بلا عودة إلى المجهول!أما عن نفسي فقد كنت ولاأزال، لا أطمع أن أجاوز السبعينيات أو منتصفها، لكنني كثيراً ما تساءلت أترى سيأتي عليّ يوم أصبح فأجد نفسي وحيداً بلا أنيس أو ونيس، وقد غادر الدنيا أحبابي وأصدقائي كلهم من بني جيلي ممَن عايشتهم وجالستهم، ويحزنني أن يدعو أحدهم- غير جاد- لي بطول العمر، فحين يجاوز المرء الثمانين يشعر بغربة في الزمان، وأن حياته غدت كأرض جرداء وقد خلت من كل مَن يحبهم ويهواهم!كلما نظرت إلى وجوه الشيوخ والعجائز، عرفت أن حياة الإنسان قصيرة مهما طالت، وأحمق مَن لا يستمتع بكل لحظة فيها، مَن لا يقضي العمر متجولاً بين البلدان عبر الطائرات ومحلقاً بين الأفكار عبر صفحات الكتب، مَن لا يجرب المغامرات بأنواعها ولا يختلط ويتعايش مع بقية الثقافات والبشر، ويا له من عمر ضائع إن قضيناه في الحقد والكراهية من أجل اختلاف في الرأي والمعتقد. إن العمر يمضي سريعاً ولا نشعر به، تذكّر فقط أيام الدراسة وستشعر بأنها كانت البارحة، رغم مرور السنين الطوال على أيامها!أتمنى للجميع أن يعيش حياته للحب وبالحب وأن يسعى إلى التقارب مع كل ما حوله، البشر والحيوان والنبات وأن يعيش في سلام داخلي مع نفسه، قبل أن يبحث عن السلام مع الآخرين، وألا يأتي عليه يوم ينظر في المرآة فيجد وجهاً متهدما تعلوه شعيرات بيض، ودمعة تساقطت على زمان مضى سريعاً من دون أن يشعر به، يبحث فيه عن لحظات الفرح فلا يتذكر منها سوى القليل، فكل شيء قد مضى وولّى ولم يبقَ له سوى هذه التجاعيد، تذكّره بأن الموت يبحث عنه منذ مدة!