جميعنا يتذكر أزمة الدوائر الشهيرة التي أدخلت البلاد في دوامة من المواجهات السياسية غير المسبوقة، بدءاً من «الانقلاب السلمي» الذي شهدته «قاعة عبدالله السالم»، مروراً بتقديم أول استجواب في تاريخ الحياة البرلمانية إلى رئيس الوزراء، وانتهاءً بحل المجلس حلا دستوريا للمرة الأولى في عهد صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد.

Ad

بعيدا عن كون نظام الدوائر الخمس نظاماً جيداً أم غير ذلك، فإن إقراره تم في «قاعة عبدالله السالم» وبموافقة الحكومة أيضا التي صوَّتت مع القانون، والأهم من ذلك كله، أن هذا المكسب لم يكن هبة حكومية أو حتى نيابية، بل تحقق بفضل مجاميع شبابية وطنية نزلت إلى الشارع وجرّت معها نواب الأمة في مواجهة مع الحكومة التي لجأت إلى المحكمة الدستورية في البداية، وانتهى بها الأمر وهي توافق «صاغرة» على المشروع.

اليوم بدأنا نسمع بدعة جديدة مفادها أن الحكومة قد تقوم بتغير الدوائر الانتخابية عبر مرسوم ضرورة، وهو إجراء، إن تم فسيكون له الكثير من التبعات السيئة على علاقة المجلس المقبل بالحكومة الجديدة.

حسب علمي، فإن مراسيم الضرورة التي تصدر في غياب المجلس لابد أن تصدر لمعالجة وضع أمني، أو اقتصادي أو لمواجهة كوارث طبيعية كالفيضانات والزلازل وغيرها، والدوائر الانتخابية لا علاقة لها بهذه «الضرورات».

إن أي توجه حكومي إلى مثل هذا الإجراء، هو تدخل سافر في العملية الانتخابية يدخل في إطار «يامغرب خرب» و«يارايح سو الفضايح»، وهو أمر أتمنى ألا يكون غائبا عن سمو ولي العهد الذي سيترأس الحكومة المقبلة.

يجب أن يدرك الشيخ نواف الأحمد أن أي إشكالات بين الحكومة والمرشحين الحاليين ستنتقل بالتبعية إلى المجلس المقبل، من هنا على الشيخ نواف أن يتدخل لوقف أي إجراء من هذا النوع، فهو وحكومته الجديدة مَن سيتحملان ترسبات أو تداعيات أي مواجهة نيابية حكومية خلال فترة الانتخابات، ومن الظلم أن تتحمل الحكومة الجديدة أخطاء حكومة تصريف العاجل من الأمور.

يُشاع حاليا أن هناك بعض أعضاء المجلس المنحل يشترط خوضه للانتخابات، بتعديل الدوائر، ويشاع أيضا أن التعديل هدفه اسقاط بعض النواب المشاكسين في المجلس الماضي الذي هو نتاج الدوائر الخمس، وهذه تسريبات، إن صحت، تشكل عبثا حكوميا بالديمقراطية قد يفتح الباب أمام المال السياسي أو حتى تزوير الانتخابات.

على كلٍّ نتمنى أن يكون سمو ولي العهد مدركاً لما يدور في هذه الأثناء، وفي تلك المرحلة، التي ستشكل أساسا لعهده السياسي الجديد، عليه أن يكون حاضرا وبقوة لوقف أي اجراءات تقوم بها حكومة تصريف الأعمال، فالشيخ نواف هو مَن سيعمل، ومَن سيواجه، ومَن سيقود في الفترة المقبلة، وهو مَن سيحمل تبعية أي أخطاء قد يرتكبها الآخرون... من هنا فإن منع وقوع الخطأ أفضل بكثير من مواجهة تبعاته.