تزايدت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة الى مجلس الأمة، والتي يمكننا تصنيفها بشكل عام إلى نوعين من الانتقادات: الأول، موجه لتركيبة مجلس الأمة، وليس للمجلس كمؤسسة دستورية، حيث يرى بعضهم أن أغلبية التركيبة الحالية للمجلس ذات توجهات غير ديمقراطية، وبالذات في ما يتعلق بالحريات العامة والشخصية... والمطلوب الوقوف في وجه هذه التوجهات غير الدستورية من خلال فضحها إعلامياً وتكوين رأي عام شعبي واع وضاغط لعدم السماح لهذه الأغلبية البرلمانية بانتهاك الدستور.

Ad

أما النوع الثاني من الانتقادات فإنه يتجاوز النوع الأول، وإن استخدم حججه نفسها في بعض الأحيان، ويكثر من الاتهامات الموجهة لمجلس الأمة التي تشمل اتهامه زوراً بأن المجلس هو السبب الرئيسي في تعطل عملية التنمية وفي الأزمة السياسية وصولاً إلى حد المطالبة بإلغاء المجلس كمؤسسة دستورية.

وفي رأينا، أن النوع الأول من الانتقادات يعتبر ضرورياً لترشيد الممارسة البرلمانية، أما الثاني، فإنه يعكس خطراً على النظام الديمقراطي الدستوري لأنه يمثل انتهاكاً صارخاً للدستور الذي حدد أشكال المؤسسات الدستورية وأنواعها ووظائفها، وهو غالباً ما يستغل حالة الإحباط العام وعدم الرضا من أداء مجالس الأمة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، ليمهد الطريق للانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي، فهل ينجح في ذلك؟ وما هي سبل مواجهته؟

من نافل القول، إن الشعب الكويتي، رغم انتقاداته الشديدة أحياناً لأداء مجلس الأمة، فإنه قد حسم بشكل نهائي موضوع تمسكه بالدستور وبالنظام الديمقراطي، وقد أثبتت أحداث تاريخية كثيرة هذا الأمر، لكن رغم ذلك، فإن «جماعة الانقلاب على الدستور» ستواصل هجومها الشرس على المؤسسة الدستورية مستخدمة في ذلك الوسائل كافة بما فيها تخريب النظام الانتخابي لتسهيل وصول أعضاء معادين فكرياً للنهج الديمقراطي، ونشر ثقافة كراهية مجلس الأمة بين الناس من خلال الخلط بين المؤسسة الدستورية وبين الممارسات السلبية لبعض أعضائها.

لذا، فإن المطلوب ممَن يتمسك بالدستور فعلياً، أن يحمي الحريات العامة والشخصية التي كفلها الدستور، وألا يصادر حق أي كان بما فيهم «جماعات الانقلاب على الدستور» في إبداء آرائهم ضمن الأطر الدستورية، كما عليه أن يعي خطورة التوجهات غير الدستورية كافة التي قد لا يعلن بعضها، بشكل مباشر، عن نفسه وعن عدائه السافر للدستور والديمقراطية كنظام حكم، بل يتخفى وراء أشكال «ممكيجة» ومتعددة ويستخدم الديمقراطية ذاتها كوسيلة للانقلاب على الدستور.

علاوة على ذلك، على من يلتزم بالدستور أن يعمل على إصلاح مؤسساتنا الدستورية وتطوير الممارسات البرلمانية لجعلها متطابقة مع نص وروح الدستور، حيث يوجد في برلمانات العالم كلها أجهزة رقابة داخلية لترشيد ممارسة الأعضاء لدورهم البرلماني.

وربما يصبح من الضروري هنا التوقف أيضا أمام قضايا وطنية مهمة عدة تهدف إلى إصلاح المؤسسة البرلمانية، مثل كيفية تجديد النظام الانتخابي الحالي وصولاً إلى نظام انتخابي يقضي على الظواهر السلبية التي رافقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وقد لا نحتاج هنا إلى إعادة اختراع العجلة كما يقال، فالعالم مليء بالنظم الانتخابية المتطورة التي قد تناسب، مع تعديلات طفيفة، تركيبة مجتمعنا، كنظام الدائرة الواحدة والقوائم النسبية مثلاً.

كما أن قضية السماح بتأسيس الأحزاب الديمقراطية الدستورية، هي من القضايا الرئيسية التي تساهم في الإصلاح السياسي لمجلس الأمة، لأن أحد أسباب الأداء السيئ لمجلس الأمة أن بعض أعضائه غير سياسي أصلاً ودافعه للوصول إلى البرلمان هو الوجاهة والانتفاع الشخصي، وليس القضايا الاستراتيجية والتنموية وتطوير المجتمع التي قد لا يفقه فيها شيئاً، علاوة على أن بعض التنظيمات السياسية الحالية أو التشكيلات الاجتماعية التقليدية التي يصل ممثلوها إلى المجلس لن يكون له وجود مستقبلاً لو تم حظر الأحزاب أو التجمعات السياسية غير الملتزمة بالنظام الديمقراطي الدستوري.

ومما لا شك فيه أن إصلاح وتطوير النظام التعليمي يعتبر أيضاً عاملاً مهماً في عملية الإصلاح السياسي، إذن المطلوب للرد على «جماعات الانقلاب» أياً كانت الأشكال التي تتخذها، هو البدء في عملية الإصلاح السياسي لمؤسساتنا الدستورية ضمن سقف الدستور وليس خارجه.