صندوق لله ... يا معسرين!
كشفت الحكومة أخيراً، بعد أن ضاق عليها الخناق للاعتراف ببعض تفاصيل الأزمة الحقيقية، أن تجاوزات البنوك التجارية في قضية القروض والغرامات المالية التي ستتكبدها سوف تتراوح بين 500 إلى 700 مليون، إضافة إلى تضييق سياسة الاقتراض إلى أبعد الحدود على البنوك مستقبلاً، وهذا ما يعني تسكير الباب الأول والأكبر للأرباح السهلة لهذه المصارف.
موقف الحكومة من قضية القروض عبارة عن جملة من الطلاسم قد لا يستطيع حتى كبار السحرة فك رموزها، فقبل شهور عدة مضت كانت تصريحات المسؤولين في بنك الكويت المركزي ووزارة المالية تنفي وبشكل قاطع وجود أي مشاكل تتعلق بالقروض، وكانت تعتبر الحديث عن هذا الموضوع فقاعة كاذبة وأزمة مختلقة، وأن الأغلبية العظمى من المقترضين تسدد أقساطها بسهولة ويسر، ولا يوجد سوى 19 حالة فقط في الكويت من المتعسرين والملاحقين قانونياً، بسبب عدم قدرتهم على السداد.وعندما عرض قانون النائب عبدالله راعي الفحماء للنقاش في المجلس السابق واستشعرت الحكومة وجود أغلبية نيابية قادرة على تمريره مارست ضغطاً شديداً على النواب لإحالة المقترح إلى اللجنة المالية وقدمت مقترحاً بديلاً، وهو ما عرف بـ«صندوق المعسرين» ونجحت في ذلك بفارق ثلاثة أصوات فقط.وفي أوج النقاش الساخن في ذلك الوقت زعمت الحكومة أن مبلغ 300 مليون دينار، وهو رأسمال الصندوق سوف يغطي جميع المعسرين، وبالتالي سوف يقضي على أزمة القروض من جذورها، وبعد تقديم قانون كتلة العمل الشعبي، الذي جمع بين الاستفادة من فكرة الصندوق وتعميم حكم محكمة التمييز بشأن الفوائد المزيفة من جهة ووضع ضوابط جديدة على نظام الاقتراض من جهة أخرى، فقد تم حل مجلس الأمة وبدأت الحكومة بكشف خيوط المآسي التي كانت تغطي حجم الكارثة الحقيقية لهذه الجريمة المالية وأولها وجود أكثر من 50000 قرض مخالف لشروط البنك المركزي وبفوائد مصطنعة تجاوزت نصف مليار دينار. واليوم تتقدم الحكومة بمبادرة جديدة تتمثل في زيادة رأسمال الصندوق الخاص بالمعسرين إلى 500 مليون دينار مع إبداء المرونة برفع هذا المبلغ إلى 700 مليون دينار، وذلك بهدف إجهاض القانون الشعبي الذي يكمن فيه سر الأسرار.فهذا التناقض في تصريحات الحكومة، التي وصلت حتى عام 2007 إلى حد تضليل صاحب القرار في القيادة السياسية، ومن بعد ذلك سلسلة التراجعات والتنازلات التي قدمتها وزارة المالية بدءاً من إنكار وجود أي مشكلة مروراً بوجود حالات من التعثر لا تتجاوز العشرين حالة ثم الإعلان عن ضخ 300 مليون دينار وزيادتها إلى 500 مليون وانتهاءً بزيادة هذا الرقم إلى 700 مليون، لا يعكس عدم دراية أو سذاجة حكومية بقدر ما يعزز فهم الحكومة وبشكل دقيق عن حجم المشكلة وتبعات حلها، ولهذا لجأت إلى استراتيجية «جم أقول» أو «لعبة القط والفأر» فأخذت تفتح الجيب بقدر حجم الضغط النيابي وقرب تحقيق الأغلبية المطلوبة لإقرار القانون الشعبي.أما بيت القصيد ولعله الكود السري لشبكة الطلاسم الحكومية وفك شفرتها، فيتمثل في أن الحكومة وبعد أن ضاق عليها الخناق للاعتراف ببعض تفاصيل الأزمة الحقيقية كشفت أخيراً أن تجاوزات البنوك التجارية في قضية القروض والغرامات المالية التي ستتكبدها سوف تتراوح بين 500 إلى 700 مليون، إضافة إلى تضييق سياسة الاقتراض إلى أبعد الحدود على البنوك مستقبلاً، وهذا ما يعني تسكير الباب الأول والأكبر للأرباح السهلة لهذه المصارف.وباختصار، فإن الحكومة، التي طالما أنكرت وكابرت ورفضت أن تساهم في رفع المعاناة عن أكثر من ربع مليون مواطن، إضافة إلى عوائلهم، تعلن فجأة موافقتها وعن طيب خاطر وتحت عنوان عريض هو التعاون مع مجلس الأمة بشأن دفع هذا المبلغ ليس للمواطنين بل لمجموعة بنوك لا تتجاوز الخمسة، وتسدد عوضاً عنها الغرامات التي سوف تتكبدها، وإن بلغت قيمتها مليار دينار، وسوف تشهد جلسة مجلس الأمة المرتقبة كشف هذا المستور، وأما المعسرون فلهم الله!