Ad

علاقة إيران بالفصائل الفلسطينية كانت دوماً أميل ما يكون إلى التشاور معها في الاستراتيجيات العامة والمقولات النظرية التي تروّج لهذا المنهج أو ذاك، تاركة أوسع مجال ممكن للحليف أن يلعب في الدائرة التكتيكية ما يفيد في تعزيز التحالف حول الخيارات الكبرى.

مرة أخرى تتهم إيران بأنها تلعب في ما وراء الحدود على حساب الأمن القومي العربي، وهذه المرة تحديداً على حساب الأمن القومي الفلسطيني، وبتحديد أكثر في غزة!

كيف؟! باتهامها أنها أملَت أو ضغطت على بعض الفصائل الفلسطينية لضرب مشروع التهدئة الذي وقّعت عليه كبرى الفصائل الفلسطينية هناك مع إسرائيل، على خلفية معارضتها لهذا المشروع!.

الذين يزعمون ذلك ويروجون له، إما أنهم لا يعرفون تعقيدات خريطة توزع «ولاءات» الفصائل الفلسطينية، وإما أنهم يجهلون نوعية العلاقات التي تقيمها إيران - منذ قررت الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني إثر ثورتها عام 1979 - مع هذه الفصائل، وإما كلا الأمرين معاً!.

فالفصائل الفلسطينية على العموم غالباً ما يكون ولاؤها الأول والأكثر تأثيراً للقاعدة الشعبية التي تستند إليها محلياً، أي مدى التفاف الناس المحليين في كل قرية ومدينة حول هذا الفصيل أو ذاك، ونوع المطالب التي جعلتهم يلتفون حوله من دون سواه، ثم تأتي الولاءات الأخرى تباعاً ابتداء من الولاء للقيادة المعنية محلياً، ومن ثم القيادة في المهجر أو زعيم الفصيل المعني، وبعد ذلك وبدرجات متفاوتة يأتي تأثير الولاءات للقوى الإقليمية، أو سواها من عرب ومسلمين، على ممارسات هذا الفصيل أو ذاك!. وأما علاقة إيران بالفصائل الفلسطينية فقد كانت دوماً أميل ما يكون إلى التشاور معها في الاستراتيجيات العامة والمقولات النظرية التي تروّج لهذا المنهج أو ذاك، تاركة أوسع مجال ممكن للحليف أن يلعب في الدائرة التكتيكية ما يفيد في تعزيز التحالف حول الخيارات الكبرى، ويأتي ذلك ليس كرماً من طهران بالضرورة أو من باب العفة السياسية التي نريد إلباسها لها بقدر ما نعرفه عن كون طهران أكثر الأطراف إدراكا لتعقيدات الواقع المحلي الفلسطيني، وتشابكاته مع الواقع الإقليمي المجاور وتباينه تبايناً كلياً عن نظيره في الساحات الإقليمية المعروفة عربياً أو إسلامياً!.

لذلك، وبصراحة المطلع والعارف بخبايا وخفايا الكثير مما يلف الواقعين الفلسطيني الداخلي والعلاقات المميزة التي تربطه بالمعادلات الإقليمية، وفي مقدمتها تلك المرتبطة بطهران، أستطيع ليس فقط أن أجزم بأن التهمة الموجهة إلى الأخيرة بأنها تلعب أو «تناكف» مع الفصيل الفلسطيني الرئيسي في غزة بخصوص التهدئة الأخيرة مع إسرائيل ليست باطلة فحسب، بل هي إهانة ما بعدها إهانة لجماهير الشعب الفلسطيني وقواه الحية، وفي مقدمتها «حماس»!.

وسواء ورد ذلك الاتهام عبر ما يسمونه - زوراً وبهتاناً - تحريضاً أو إملاء شروط على الفصائل الأخرى لتخريب التهدئة، أم اتهام طهران ببحثها عن موطئ قدم أكثر اتساعاً على سواحل المتوسط يتواصل مع ساحة النفوذ الذي لديها على الشاطئ اللبناني، كما يحاول بعضهم أن ينظر ويروج! ففي الحالتين أعتقد أن الأمر بعيد عن الصحة، فضلاً عن كونه بعيداً عن منطق الأمور، ذلك لأن القائلين بذلك والمروّجين له إنما يوجهون الإهانة قبل كل شيء إلى الشعب الفلسطيني، كما أشرنا، من خلال الاستهانة بقدراته الذاتية أولاً، واتهامه بالعمالة للخارج، وأنه لا يملك قراره الوطني المستقل ثانياً، وأخيراً وليس آخراً بالتحريض على الفصائل المجاهدة للولوج بما يقترب من فتنة داخلية هي آخر ما يستحقه من الأشقاء والأصدقاء!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني