Ad

إننا جميعاً نستطيع أن نجد المتعة، وأن نتحصل عليها، في الكثير من الأشياء من حولنا، حتى البسيطة منها، وإننا لسنا بحاجة حتى إلى إنفاق المال، كل ما نحن بحاجة إليه هو العمل على إعادة اكتشاف الحياة من حولنا، وحينئذ ستقع أعيننا وقلوبنا على مصادر السعادة والبهجة، وعلينا عندئذ أن نسارع إلى الإمساك بها والتقاطها، ليعود الإشراق إلى الحياة مجدداً.

ضغطت زر الطابق الذي أقطن فيه في الفندق، وأخذ باب المصعد بالانغلاق، وفي المسافة الأخيرة وقبل أن يغلق تماماً امتدت يد وأمسكت به، فعاد الباب القهقري لينفتح ويدخل رجل غربي أشقر أزرق العينين، أخاله في الخمسينيات من عمره، حياني بإيماءة صامتة، فرددت التحية بأحسن منها بإيماءة وابتسامة، كان يرتدي قميصاً بلله العرق بشكل واضح، ويضع على ظهره حقيبة رحلات، ويحيط بخصره حزام تعلقت به حقيبة صغيرة من ذلك النوع الذي يستخدم لحفظ الأشياء الثمينة قريباً من متناول اليد، كان بادياً عليه أنه قد بذل مجهوداً، حتى تخيلت أنني أسمع صوت دقات قلبه ينتقل عبر جدران المصعد، نظرت إلى حذائه الرياضي فلاحظت أنه كان مغبراً، فأدركت الحكاية.

كان واحداً من آلاف الغربيين الذين يجدون متعة في المجيء إلى هذا الجزء من العالم في أشهر الصيف للسياحة، وبالأخص إلى دبي، حيث وجدوا هناك مَن قام بتحويل الشمس والحر والرطوبة إلى سلع سياحية جاذبة وممتعة. من غرائب هؤلاء، وهي كثيرة، أنهم يذهبون إلى الصحراء، حيث الشمس تذيب الحديد وتصدع الصخر، لممارسة متعة التنزه فوق الكثبان الرملية لساعات متطاولة، ليعودوا بعدها إلى فنادقهم وقد لوحت الشمس وجوههم وأحرق الهواء اللاهب أبشارهم، ونال منهم التعب!

أليس غريبا أن يجد هؤلاء الناس متعة في ذات الشيء الذي نهرب منه نحن، وفي المقابل نشد الرحال إلى الأشياء نفسها التي هربوا منها؟! ألا يدل هذا على أن للمسألة برمتها سراً لا يكمن في الشيء، أو المكان الملموس، وإنما في المعنى الذي يحيط به، ذلك المعنى الذي يصنعه عقل الإنسان، وفقا لما تمت برمجته عليه؟!

آلاف البشر منا يهربون، مثلا، إلى لندن سنوياً في الموعد نفسه، وينحصرون في شارعين أو ثلاثة لا يتجاوزونها، لماذا؟ هل لأن هذه الشوارع ممتعة بذاتها حقاً؟ طبعا لا، وإلا لما فر منها كثير من أصحابها وجاؤوا إلى صيفنا اللاهب وصحرائنا القاحلة. السر يكمن كما قلت، في أن عقل الإنسان تتم برمجته على أن المتعة في شيء محدد وفي وقت محدد وبطريقة محددة!

وما دام الأمر كذلك، وما دامت المسألة عقلية محضة، فيمكن لنا أن نستنتج وبكل بساطة أن الإنسان قادر على أن يبرمج عقله على ما يريد، بل بأن يعيد برمجته لتغيير أفكاره التي كان يظن أنها ثوابت لا تتزحزح.

ما أريد الوصول إليه هو أننا جميعاً نستطيع أن نجد المتعة، وأن نتحصل عليها، في الكثير من الأشياء من حولنا، حتى البسيطة منها، وأننا لسنا بحاجة حتى إلى إنفاق المال، إن كان ذلك غير متيسر، أو حتى تجشم الكثير من العناء، للبحث عن هذه المتعة والسعادة. كل ما نحن بحاجة إليه هو العمل على إعادة اكتشاف الحياة من حولنا، وحينئذ ستقع أعيننا وقلوبنا على مصادر السعادة والبهجة، وعلينا عندئذ أن نسارع الى الإمساك بها والتقاطها، ليعود الإشراق إلى الحياة مجدداً.

السعادة اختيار، وبيد الإنسان أن يختار الحصول عليها، أو أن يستسلم للرتابة والروتين ولكلام الناس ونمطيتهم وأفكارهم المقولبة، ولضغوطات حياته اليومية، ليجد نفسه وقد انتهى مخنوقاً تحت الركام، حي ولكن أشبه بالأموات!