كل ما يحتاجه الأمر هو إعادة العيادات المدرسية التي ألغيت لسبب ما في السابق والتي كان بها ممرض أو ممرضة، وهؤلاء لديهم القدرة على التعامل مع الحالات المختلفة وعلى تقدير الحاجة إلى الاتصال بخدمات الطوارئ والتحويل إلى المستشفيات.

Ad

بعد تكرار الحوادث الصحية وبعد حالتي الوفاة في المدارس الحكومية، أدركت الحكومة ضرورة وجود شيء من الرعاية الطبية في المدارس. وقد قلت أدركت الحكومة ولم أقل أدركت وزارة التربية لأن من الواضح بأن نفسية المسؤولين في وزارة التربية تميل إلى عدم الاعتراف بالخطأ، وتنزع إلى نفي التقصير والتقليل من مدى أي مشكلة، ولازلنا نذكر ذلك التصريح غير الموفق لمعالي وزيرة التربية في أعقاب حوادث الاعتداءات الجنسية على الأطفال في المدارس، بأنها أمور يمكن أن تحدث في كل بيت!

نهجنا المعتاد في الكويت هو ألا نتحرك أو ننتفض إلا بعد وقوع الواقعة وبعدما ينغرس الفأس في الرأس، وغالبا ما تكون هذه التحركات، انفعالية نابعة من الخوف من المساءلة السياسية ولإسكات البلبلة الإعلامية وإخماد الفورة المجتمعية.

أقول هذا لأنه لو كان الدافع إصلاحياً حقا، ولو كانت غيرة المسؤولين على ما تحتهم من مسؤوليات غيرة صادقة، لتحركت ونبضت مع الإشارات الأولى لوجود الخلل والتردي، ولن أقول نبضت في مراحل التخطيط والاستشراف المستقبلي لأن ذلك خارج إطار فهم جماعتنا وبعيد كل البعد عنهم وللأسف.

بحسب ما نقلته إحدى الصحف الزميلة فإن «مجلس الوزراء رصد 5 ملايين دينار لإنشاء عيادات مصغرة داخل المدارس في جميع المراحل تضم ممرضين وفنيين وأطباء)، وهذا الكلام لو صح، فإنه كلام فارغ جملة وتفصيلا. أقول ذلك لأن مسألة مثل هذه لا يصح أن تناقش على مستوى مجلس الوزراء وإنما على مستويات دون ذلك، عند المتخصصين الحقيقيين الذين يجب أن تناط بهم مهمة تحديد المشكلة وكيفية معالجتها وتقدير تكلفة ذلك، وأما رصد هذه الملايين الخمسة هكذا كردة فعل للشعور بألم الجرح سياسيا، فهو تصرف اعتباطي مع كل الاحترام للنوايا الصادقة التي قد تكون وراءه!

بالأمس كنت أقدم دورة في أنماط التفكير باستخدام نظام القبعات الست، وكانت الرسالة الأساسية التي حرصت على إيصالها للحضور هي أن العائق الأساسي أمام عملية التفكير هو عدم التركيز، والذي يحصل بسبب العوامل التي تؤدي إلى تشتيت العقل، وأهم هذه العوامل الانفعال الشعوري أو العاطفي. قرار مجلس الوزراء برصد الخمسة ملايين وبكل بساطة هو قرار انفعالي عاطفي، لذلك جاء قراراً بعيداً كل البعد عن المعقول!

لا يوجد في أي مكان في العالم مدارس تحتوي على عيادات متكاملة بها ممرضون وأطباء، ونعرف نحن الأطباء المتخصصين في الصحة المهنية بأن لكل بيئة عملاً، بما فيها المدارس، احتياجاتها الصحية بحسب طبيعة أنشطتها وأعداد العاملين فيه، والأمر لذلك لا يستدعي وضع عيادات متكاملة في كل مدرسة، وإلا لصار لزاما على كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة حكومية أو خاصة يتوافر فيها أعداد كبيرة من الموظفين، أن تقام بها عيادات متكاملة على غرار المدارس!

كل ما يحتاجه الأمر هو إعادة العيادات المدرسية التي ألغيت لسبب ما في السابق والتي كان فيها ممرض أو ممرضة، وهؤلاء لديهم القدرة على التعامل مع الحالات المختلفة وعلى تقدير الحاجة إلى الاتصال بخدمات الطوارئ والتحويل إلى المستشفيات، ويمكن أن يضاف إلى ذلك القيام بتدريب معلمي ومعلمات التربية البدنية على مبادئ الإسعافات الأولية بالتعاون مع إدارة الطوارئ التابعة لوزارة الصحة أو مع جمعية الهلال الأحمر أو الجمعية الطبية.

حل أي مشكلة يتمثل أولا بالاعتراف بوجودها وعدم المكابرة كما هو دأب المسؤولين في وزارة التربية، وبعدها يوكل التفكير بحلها للمتخصصين، أكرر للمتخصصين، وذلك بشكل موضوعي بعيد عن الانفعالات وردود الأفعال، أما الاعتقاد بأن كل شيء يمكن حله بضخ ورصد الملايين، فهو وهم كبير وتضييع كبير للأموال!