ما دوافع خالد مشعل حول المرجعية الفلسطينية الجديدة؟

نشر في 09-02-2009
آخر تحديث 09-02-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري تصريحات خالد مشعل- رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»- حول إنشاء مرجعية فلسطينية جديدة للشعب الفلسطيني بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية، تصريحات خطيرة، خصوصاً أنها تأتي في هذا الوقت الذي تتضافر فيه الجهود العربية المكثفة لتحقيق التوافق الوطني الفلسطيني تمهيداً لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تشرف على إعادة إعمار غزة وعلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، بل أتصور أن هذه التصريحات، تعد الأخطر في تاريخ القضية الفلسطينية وفي تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية منذ قمة «الرباط» عام 1974 والتي قرر العرب فيها، أن المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطني، قراراً ملزماً، وبناء عليه استطاعت المنظمة كسب اعتراف 120 دولة بها، واكتسبت وجوداً شرعياً- عربياً ودولياً- صحيح أنه كانت هناك وعلى الدوام وعلى امتداد 35 عاماً في عمر المنظمة، محاولات عديدة لإنشاء مرجعيات بديلة عن المنظمة أو موازية لها، إلا أنها جميعاً باءت بالفشل بسبب الموقف العربي العام الداعم للمنظمة، وأيضاً بسبب الموقف الدولي الذي لن يعترف بأي مرجعية أخرى بديلة للفلسطينين، خصوصاً إذا كانت بقيادة «حماس».

تشكل تصريحات خالد مشعل مخاطر عديدة على القضية الفلسطينية، لعل من أهمها:

أولاً: تعميق الانقسام الفلسطيني حدة، وتكريس انفصال غزة عن الضفة، جغرافياً وسياسياً، في وقت تجددت فيه الآمال بإمكانية إجراء الحوار الفلسطيني وتحقيق المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني بعد الزلزال الكارثي، نتيجة العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي دمر غزة وحولها أنقاضاً- حرصت الأمم المتحدة أخيراً بأن أكبر تحد في غزة إزالة أنقاض 600 ألف طن من الركام- كما شرد سكانها وتسبب في قتل وجرح وترويع الآلاف من أبنائها.

ثانياً: إن هذه التصريحات، أشبه برصاصة قاتلة تطلق من الخلف، ومن قيادي فلسطيني مسؤول عن شعبه، على القضية الفلسطينية، لتعيدها إلى الوراء سنوات بل عقودا إلى المربع الأول، للبدء من الصفر من جديد، وذلك بعد الجهود الطويلة والشاقة والتضحيات الجسيمة والموارد التي ذهبت في سبيلها، لكسب الاعتراف الدولي بالقضية، وبأن منظمة التحرير ليست منظمة إرهابية، وأنها حركة تحرر وطني تمثل الشعب الفلسطيني، وإن إلغاء المرجعية الفلسطينية لا معنى له إلا شيء واحد، ضياع القضية تماماً وضياع كل ما تحقق.

ثالثاً: إن هذه المحاولة من قبل خالد مشعل إذا نجحت، فإنها تنسف كل الجهود العربية المبذولة، وتدمر كل المبادرات العربية في سبيل القضية ومن أهمها: مبادرة السلام العربية ومشروع الدولة الفلسطينية.

ومن هنا نتفهم رد فعل الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» في مسارعته بالقول: إنه «لا حوار مع من لا يعترف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني بدون لبس أو مورابة»، ثم يضيف «إذا أرادت «حماس» الحوار فعليها أن تعترف اعترافاً كاملاً وتاماً بمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن الدعوة للبديل تخريب وتفتيت للشعب الفلسطيني».

ولخطورة تصريحات مشعل سارع المجلس الوطني الفلسطيني إلى إعلان «رفضه بناء مرجعية وطنية فلسطينية جديدة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج»، واعتبر ذلك «انقلاباً على منظمة التحرير»، ودعا قادة الفصائل الفلسطينية إلى «استنكار هذه المؤامرة، وتصديهم لكل محاولة من شأنها أن تشكك في شرعية المنظمة ونكران منجزاتها التاريخية التي جعلت فلسطين قضية وطنية بكيان فلسطيني مستقل وعلماً وهوية، بعد أن كانت قضية لاجئين ببعدها الإنساني فقط»، كما دعا المجلس الوطني الفلسطيني، خالد مشعل إلى «التراجع عما أعلنه»، وحيا المجلس، حركة الجهاد الإسلامي التي أعلنت رفضها المساس بمنظمة التحرير الفلسطينية، ودعا الآخرين «أن يحذوا حذوها»

وكانت حركة الجهاد الإسلامي قد أعلنت رفضها التام لفكرة تشكيل مرجعية سياسية لعموم الفلسطينيين بديلاً عن المنظمة، وإن أيدت تشكيل مرجعية للمقاومة شبيهة بلجنة المتابعة العليا التي شكلت لإدارة شؤون الانتفاضة في الضفة وغزة- إبان انطلاق الانتفاضة الثانية في 2000- ولم تكن بديلاً عن المنظمة. ومما يطمئن أن كثيرين من قياديي «حماس» وعناصر الحركة يعارضون فكرة تشكيل منظمة بديلة، إلا أنهم لا يجاهرون بذلك، ولكن القيادي غازي حمد وهو مستشار سابق لإسماعيل هنية، تصدى مرتين لتصريحات مشعل، وقال صراحة: إنه يرفض دعوة مشعل لإيجاد مرجعية فلسطينية بديلة للسلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، وأضاف: إن الساحة الفلسطينية ليست بحاجة إلى المزيد من الانقسام، وقال: إن الحل يكمن في العودة إلى الوحدة الوطنية معتبراً أن الوحدة تمثل مصلحة استراتيجية لكل من «حماس» و«فتح» وأن إسرائيل هي الطرف الوحيد المستفيد من حالة الانقسام الفلسطيني على اعتبار أن الواقع الحالي يمنح إسرائيل القدرة على المناورة أمام جميع الأطراف، وفي تصوري أنه لا يسع أي عربي صادق ومنصف ومثقف ومشفق على مصير القضية الفلسطينية ومصلحة الشعب الفلسطيني، إلا أن يتعاطف ويتجاوب ويدعم هذه الردود والمواقف العقلانية والواقعية الرافضة لمساعي وتصريحات خالد مشعل، لكن أبلغ وأهم تلك الردود هو مسارعة 9 وزراء خارجية عرب لعقد اجتماع في أبوظبي بهدف بناء توافق عربي يحصن الصف العربي تجاه التدخلات غير العربية في الشؤون العربية، ويساند جهد المصالحة العربية والفلسطينية، ويدعم الشرعية الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير.

والسؤال الآن: إذا كانت قيادات «حماس» في الداخل وكذلك بعض قادة الفصائل الفلسطينية قد عبرت عن موقفها الرافض- سراً أو علناً- لتصريحات خالد مشعل حول إلغاء مرجعية منظمة التحرير، وقالوا إن فكرة إنشاء مرجعية بديلة «غير مقبولة وليست منطقية وإنها لن تنجح وإن توقيتها غير صائب»، فما دوافع خالد مشعل لمثل هذه التصريحات؟ هل هي للمناورة كما يقول البعض، خصوصاً أن مشعل سبق أن قال كلاماً متناقضاً عندما صرح للكاتب الفرنسي «ماريك» بأنه «مستعد للحديث مع إسرائيل على قاعدة حدود 4 يونيو 1967» التي هي أساس المبادرة العربية في الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من يونيو 1967، وقبول دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الضفة وغزة، تكون عاصمتها القدس الشرقية، أم أن هذه التصريحات تأتي في هذا الوقت، ترضية لأطراف إقليمية خارجية تريد تحسين وتقوية موقفها التفاوضي مع الإدارة الأميركية الجديدة ؟! ذلك ما تكشف عنه الأيام القادمة.

* كاتب قطري

back to top