من الرابحون، ومن الخاسرون في الشرق الأوسط؟ ولماذا ربح الرابحون، وخسر الخاسرون؟
بعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001 أصبح الشرق الأوسط فجأة الملعب الكبير لكثير من القوى العالمية، وأصبح اللاعبان الأكبران فيه أميركا وإيران، بعد أن كانت إسرائيل وفرنسا وبريطانيا في النصف الثاني من القرن العشرين.المباراة الكبرى الأكثر إثارةفالمباراة الكبرى خلال السنوات السبع الماضية، وخلال السنوات الخمس الماضية بدءاً من الغزو الأميركي للعراق 2003، أصبحت أكثر إثارة، وأشد وطيساً، وأمتع تسلية لعشاق المباريات السياسية في الشرق الأوسط. وأصبح كل يوم يأتي بالجديد، خصوصاً من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد المثير للمتعة السياسية، كـ«كوميديان» سياسي طريف، بما يقدمه كل يوم من عروض سياسية بهلوانية تضحكنا، وتضحك العالم كله عليه، كسياسي مسلٍ، وصانع ألعاب سياسية مثيرة وجديدة، كان آخرها تصريحه، بأن إيران أصبحت أكبر قوة في العالم. وأنه لا أحد يستطيع هزيمة إيران.كذلك فعل الطرف الآخر الذي يشترك في هذه المباراة السياسية الكبرى وهو أميركا، فأخبار أفغانستان والعراق تثير فينا شهوة تتبع الأخبار السياسية، بما هي مضجرة ويائسة وبائسة، ولكن هذه الشهوة تظل متقدة كل يوم، والحافز لتتبع الأخبار يظل دافعاً بشكل كبير، لأن ما يحدث في العراق مثلاً، ليس عادياً ولا متكرراً في التاريخ العربي القديم والجديد، فالعراق حالة استثنائية من حالات العولمة، التي تجتاح العالم الآن اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.من الرابح الأكبر؟لا شكَّ أن إيران هي الرابح الأكبر، خلال السنوات الخمس الماضية (2003-2008). ومظاهر ربحها يتجلّى في التالي:-1 أصبحت القوة الإقليمية الحقيقة المسيطرة في الشرق الأوسط، وأصبح العالم العربي يطلب ودّها وصداقتها، وكذلك عطفها ورضاها، فرغم أن دول الخليج والعراق خاصة، يعلمون تمام العلم، بأن إيران تتدخل في العراق بشكل مباشر مالياً، وعسكرياً، ولوجستياً، وسياسياً، إلا أنهم يتعامون عن هذه الحقيقة، ولا يجرؤون على ردعها أو مفاتحتها بهذه الحقيقة على الأقل، بل هم على العكس من ذلك يتوددون لها، لكي لا تذهب أكثر مما ذهبت إليه، بمعنى، إذا كانت إيران لها ثمانية أصابع أو تسعة أصابع في العراق فلا داعي لإدخال الإصبع العاشر. ويتوسلون لها بأن تكتفي بثمانية أو تسعة الأصابع الموجعة في العراق، لذا، نراهم يدعون الرئيس نجاد إلى الحج، ومؤتمرات القمة، والمشاركة في الأفراح والأتراح كعضو فعال في العائلة الخليجية. بل إن أحمدي نجاد كان أول رئيس من الشرق الأوسط يزور العراق زيارة رسمية، ليطّلع على ما فعلته إيران في العراق. وهي بعد كل هذا الدلال، تزداد صلفاً وإمعاناً في التدخل بالشؤون العربية، إلى الحد الذي جعل الرئيس نجاد يهدد دول الخليج، من داخل دول الخليج، بالعقاب الصارم، فيما لو ساعدت أميركا على الهجوم عليها، كما حدث من الرئيس نجاد في زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة (13/5/2007) التي تحتل إيران ثلاث جزر منها (طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى) منذ 1971، ولا تعترف بعروبة هذه الجزر، وتصر على أنها فارسية حتى الآن.-2 ومثلما أدخلت إيران أصابعها التسعة أو العشرة في العراق، فقد فعلت الفعل نفسه في لبنان. وهي في لبنان لم تكتفِ بإدخال أصابع يديها العشرة، ولكنها أدخلت أيضاً أصابع رجليها العشرة أيضاً. وأصبح لبنان خصوصا جنوبه بواسطة حزبها القوي «حزب الله» والمسلح تسليحاً قوياً قطعة استراتيجية من إيران، بحيث اعترفت أميركا أخيراً بأن «حزب الله» هو أقوى تنظيم إرهابي في العالم. وذلك بفضل إيران العظمى (إيران جديرة بلقب العظمى أكثر من ليبيا) التي أصبحت تسيطر على بلدين مهمين في العالم العربي سيطرة كاملة، بينما أميركا لا تملك غير الفرجة والحسرة والغصة، وهي ترى إيران تسجّل في كل يوم في شباكها أهدافاً جديدة. ونتيجة لسيطرة إيران على لبنان، تم وقف انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية الجديد ميشيل سليمان، ذلك وبكل بساطة، لأن أميركا تريده، ولا تريد غيره، وإيران لا تريده، حيث إن نمرة بسطاره، أقل من مقاس القدم الإيرانية.-3 قامت إيران بإنشاء تعاون استراتيجي وثيق بينها وبين سورية (حبل الوريد إلى لبنان)، وخلعت سورية من ثوبها القومي العربي المُدّعَى، ولبست ثوباً فارسياً زاهياً، مزيناً بالذهب الفارسي العتيق. وبدت سورية «العلمانية» البيضاء والشقراء الجميلة بالثياب الفارسية «الدينية» أقوى من ذي قبل، فهي رغم الذل الذي (كسر خاطرها) في 2005 بانسحابها الفوري والإجباري من لبنان، فإنها بفضل إيران «العظمى»، أصبحت في لبنان أقوى مما كانت عليه قبل 2005، كما قال ذات مرة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، وأصبحت سورية بالنسبة لإيران هي الشوكة السادسة في الحلق الأميركي (الشوكات الخمس الأخرى: إيران، العراق، أفغانستان، لبنان، غزة «حماس»). وهذه الشوكات الخمس بالإضافة إلى الشوكة الإيرانية هي التي خنقت اللاعبين الأميركيين في الشرق الأوسط، أو كادت أن تخنقهم. ونتج عن ذلك ضعف السيطرة السياسية الأميركية في الشرق الأوسط، رغم الوجود العسكري الهائل للقوات الأميركية في المنطقة. إلا أن هذا الوجود العسكري لم يُخف إيران، ولم يردعها، ولم يُقلل من استمرارها في فرض مزيد من سيطرتها على دول الخليج والعراق ولبنان وغزة وسورية، وهؤلاء جميعاً يمثلون ثلاثة أرباع العالم العربي مساحة وسكاناً، كما يمثلون كل العالم العربي ثروة ومالاً.-4 رغم كل التحذيرات والعقوبات الدولية التي سعت أميركا وسعى الغرب إلى فرضها على إيران بسبب ملفها النووي، الذي يسير بخطى ثابتة نحو امتلاك القنبلة النووية (المهدي المنتظر)، إلا أن إيران نجاد، لم تردعها كل هذه القرارات وتلك العقوبات التي سخرت منها، وقالت لمجلس الأمن وللغرب عموماً (طُزْ). ومضت بخطواتها النووية السريعة والمتحدية فوق الأرض وتحت الأرض، ومن خلال القُبل الكثيرة التي تطبعها على وجنتي محمد البرادعي المدير العام لوكالة الطاقة الذرية الدولية في كل زيارة له إليها، بحيث تعمي عينيه عما يرى ويقشع، وكأن الرجل لا يرى غير الأرانب المتقافزة في براري إيران، وسوف تمضي في برنامجها النووي حتى النهاية، وحتى امتلاك القنبلة النووية (المهدي المنتظر)، ويعلن أحمدي نجاد بعد ذلك، أن إيران أصبحت ليس أعظم قوة في العالم فقط، ولكنها القوة العظمى غير المنافَسة في العالم، وسوف يضع لها العالم العربي والإسلامي بعد ذلك عصا الطاعة عند قدميها، ويسجد لها صاغراً للأمر، وبهذا وحده يستطيع نجاد تصدير مبادئ الثورة الإيرانية إلى العالم العربي والإسلامي، وليس كما فعل الإمام العجوز الخميني، الذي ظن بالقوة العسكرية وحدها يستطيع تصدير الثورة (الحرب العراقية – الإيرانية 1980-1988). فجاء أحمدي نجاد اليوم، رئيسا في القرن الحادي والعشرين لكي يُصدّر الثورة إلى كل أنحاء العالم العربي والإسلامي بأدوات جديدة هي: الدبلوماسية، التحدي الكبير للقوى الغربية، العلم والقوة النووية، المال، استغلال ضعف وهشاشة الأنظمة العربية، تحويل الدول العلمانية إلى دول صديقة وحليفة للدولة الدينية، إنشاء الميليشيات المسلحة تسليحاً هائلاً في العراق ولبنان وغزة «حماس».من الخاسر الأكبر؟من خلال هذه البانوراما السريعة، يتبين حتى للعبيط والأهبل، أن الخاسر الأكبر مقابل إيران هو أميركا، التي دفعت في الشرق الأوسط من جيوب مواطنيها الفقراء والأغنياء مئات المليارات، وخسرت آلاف الجنود، ورغم ذلك خرجت خاسرة، يذمها الشرق أوسطيون -العرب خاصة- ذماً قبيحاً، أقبح من ذم الشاعر الحطيئة لنفسه. وأميركا هي التي جُرّت إلى المباراة على أرض أجنبية، فخسرت المعركة حتى الآن. وغفلت أميركا عن أن وجودها في قلب الشرق الأوسط وعلى الحدود الإيرانية (من العراق وأفغانستان) العدو اللدود لأميركا منذ 1979، واشتباكها مع القضية الفلسطينية، وفشلها في إقامة الدولة الفلسطينية الموعودة، قد أوقعها بسهولة- وقوع الغزلان في شباك الصيادين- في الشباك الإيرانية المنسوجة بقوة نسيج السجاد العجمي، وكانت نهاية المباراة أو الربع ساعة الأخيرة من المباراة على النحو الذي نراه الآن كل يوم.* كاتب أردني
مقالات
الخاسرون والرابحون في الشرق الأوسط
07-05-2008