إسلام ميشال عفلق
في سلسلة حوارات أجراها الصحافي غسان شربل مع مجموعة من «تلامذة» ميشال عفلق حول «القائد المؤسس» للبعث، شكَّل موضوع دخول عفلق الإسلام حيزاً في الحوارات. قال بشارة مرهج، وهو بعثي سابق، إن النبي محمد (صلعم)، حاز على إعجاب عفلق وكان هذا الأخير يستعيد أفكار الرسول ويستعرضها، وكانت شخصيته ماثلة أمامه ورافقته طيلة حياته. أخذ مرهج دليلا على كلامه مقالة كتبها عفلق في بداية عهده السياسي عنوانها «ذكرى الرسول العربي»، أهم ما ورد فيها الجملة التالية: «كان محمد كل العرب فليكن العرب اليوم كلهم محمداً».
أما البعثي الآخر معن بشور فقال إن عفلق كان يعتبر أنه من الصعب أن تكون بعثياً من دون استيعاب الإسلام استيعاباً حقيقياً، ومحبته محبة حقيقية. إذا لم يكن البعثي مسلماً بالديانة عليه أن يكون مسلماً بالثقافة والحضارة والتراث والعاطفة. يضيف بشور أن عفلق كان يعتبر نفسه مسلماً ولكنه لم يكن يحب إعلان ذلك كي لا يدخل في المزاد السياسي، هذا لا يعني أنه أنكر مسيحيته بدليل أنه لم يفرض قناعته على عائلته، وكان يعترف أن موقفه إيماني. الأرجح أن «أسلمة» عفلق أخذت حيزاً أكبر من فظائع الفكر البعثي، وتومئ الى سياسة «البدل عن ضائع»، وهو ما أشار اليه البعثي السابق نبيل الشويري في كتاب «سوريا وحطام المراكب المبعثرة - حوار مع نبيل الشويري: عفلق والبعث والمؤامرات والعسكر»، (الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، سبق ان عرضنا الكتاب في مكان آخر. يروي الشويري: «لمع في الحركة الوطنية المناضلة ضد الانتداب على سورية اسم فارس الخوري، وشغل مناصب مهمة وأساسية وتولى رئاسة البرلمان ورئاسة الوزارة. بعد وفاته، سرت إشاعات تقبلها الناس، بأنه «أسلم». استندت إشاعة إسلامه الى أن المشايخ في دمشق قرأوا القرآن في مأتمه سنة 1962، والى أنه كان يحب الاستماع الى تجويد القرآن في حياته». يضيف الشويري أن السند الحقيقي للإشاعة هو راحة النفس من التناقض القائم بين القبول بزعامته وبين كونه مسيحياً، بينما تكمن الحقيقة في أن مسيحيته بالذات كانت سلاحاً في وجه الفرنسيين وسحباً للبساط من تحت أقدامهم كحماة للأقليات كما زعموا! على ان مسألة إسلام «استاذ» البعث ميشال عفلق، في جوهرها، تشبه اسلام فارس الخوري، يروي «القيادي العروبي» جلال السيد، تعليقاً على تولي عفلق رئاسة حزب البعث: «اخترناه لرئاسة الحزب اصلا لكونه مسيحياً، مع انه يوجد من هو أكفأ منه للرئاسة، لكننا قصدنا بذلك أن يكون عنوانا لعلمانية الحزب». اما في العراق فكان عفلق، بحكم نظام الحزب الحاكم، الأول رسمياً وان كانت أولوياته شكلية، ولكن سرَّب صدام حسين في خضم الحرب العراقية _ الإيرانية عبر مخابراته، ما سماه وثيقة تثبت إسلامه. لم يكن فيها اي جديد الا في السطر الأخير الذي يقول إنه أوصى بأن يدفن مسلماً، وتختلف صيغة السطر الأخير جذريا عما قبلها، الأرجح انها من صنع صدام. إسلام عفلق من وجهة نظر شويري على هذا النحو، له معنى واحد فحسب، وهو أن ليس لغير المسلم الحق في تعاطي السياسة بالمعنى الكامل للكلمة، اي ان مسألة الذمي ألغيت في الواقع وليس في القانون. شكل هذا الواقع المرير جزءا من ايديولوجيا البعثيين وبعض العروبيين، شرحها الشويري على أحسن ما يرام، وهي إن دلت على شيء فعلى العلمانية المزعومة او المبطنة بالأسلمة، لطالما صرح عفلق بأن «العروبة بلا اسلام كالجسم بلا عظام»، ولطالما ربط بعضهم العروبة بالإسلام على الرغم من أن «اول العروبة» كان من صناعة رواد الثقافة اللبنانية.