ذهب بوش وبقي العراق

نشر في 04-02-2009
آخر تحديث 04-02-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

ليس في نيتي أن أكتب رسالة وداع للرئيس بوش من خلال هذا المقال. فلم يجرؤ كاتب عربي حتى الآن على كتابة مثل هذه الرسالة، لأنه بذلك يكون قد كتب للشيطان- كما يُطلق على بوش- رسالة وداعية.

فهل كان الرئيس بوش الذي حكم أميركا والعالم، بما فيه العالم العربي طيلة ثماني سنوات سيئاً لهذه الدرجة التي تصوّرناها ونتصوّرها، ويتصوّرها معنا الأوروبيون، وحتى القطاع الأكبر من الشعب الأميركي نفسه؟

ولماذا كانت كراهية الشعوب والحكومات شديدة للرئيس بوش، بل هي أكثر وأشد كراهية لرؤساء أميركيين، كان لهم في القرن العشرين، أخطاء أكبر من أخطاء بوش، وألحقت بالبشرية كوارث ودمارا أكثر من الحروب التي شنها جورج دبليو بوش في الشرق الأوسط.

فالرئيس الديمقراطي هاري ترومان (1884-1972)، كان أكثر وحشية من الرئيس بوش، حين أمر في 1945، بإلقاء أول قنبلة ذرية على هيروشيما، وثانية على ناغازاكي، ثأراً من اليابانيين وما فعلوه في بيرل هاربر 1942، مما أدى إلى قتل أكثر من 300 ألف ضحية يابانية، وأكثر من نصف مليون مشوّه، وإنهاء الحرب العالمية الثانية.

والرئيس الديمقراطي ليندون جونسون (1908-1973) ألحق بسمعة أميركا، وباقتصادها، وبمستقبلها أعظم الخسائر، حين زاد من التدخل الأميركي في فيتنام، وزاد عدد الجنود الأميركيين من 16 ألف جندي عام 1963، إلى 55 ألف جندي عام 1968. وكان العامل الرئيسي في انتصار إسرائيل على العرب 1967.

إذن لماذا كل هذه الكراهية الشديدة لجورج دبليو بوش، وفترة حكمه؟ وهل كان الرئيس بوش سيئ الحظ، بحيث تتابعت عليه، وعلى عهده، النكبات والكوارث، كما لم تتابع على أي رئيس أميركي آخر من قبله؟

-2-

لا شك في أن الرئيس بوش كان سيئ الحظ تماماً، وكان في الوقت نفسه ذا نوايا إنسانية وسياسية طيبة، وقد لا يروق هذا القول لمعظم القراء في العالم العربي، وأنا لا ألومهم في ذلك، لاسيما أن الشارع العربي، شارع عاطفي ومُعبَّأ بالكراهية لأميركا، وينقاد إلى عواطفه وغرائزه، أكثر مما ينقاد إلى عقله وواقعيته.

فمنذ الأشهر الأولى لتولي بوش الرئاسة، وفي سبتمبر 2001، كانت الكارثة التي هزت أميركا والعالم، وكانت ضحاياها أكثر وأكبر من ضحايا بيرل هاربر 1942، وكانت تستوجب قياساً على ذلك، إلقاء قنبلة ذرية على أفغانستان، معقل منفذي هذه الكارثة، كما فعل ترومان 1945 باليابان، انتقاماً من كارثة بيرل هاربر، ولكن نتيجة لتغيُّر القيم السياسية، بعد مضي نصف قرن، لم يفعل الرئيس بوش ذلك، واكتفى بمطاردة زعماء «القاعدة» في كل مكان، بما فيها أفغانستان.

وكان على الرئيس بوش أن يرضخ في 2003 إلى مطالب زعماء المعارضة العراقية لضرورة غزو العراق، والإطاحة بحكم صدام حسين، وأن يُصدِّق تقارير وكالة المخابرات المركزية CIA بخصوص وجود أسلحة الدمار الشامل، في يد صدام حسين. وزاد من اقتناعه تشدد صدام بعدم السماح بالكشف عن أسراره النووية، ومنع المفتشين الدوليين من دخول مراكز البحث النووي العراقي، وتمَّ الأمر بغزو العراق، وشنق صدام حسين.

وهكذا دخل الرئيس بوش في خلال سنتين، في حربين في الشرق الأوسط، وهو ما لم يحصل في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فكانت حربه في أفغانستان على «القاعدة» وأنصارها، وكانت حربه على حزب البعث وحكمه في العراق، مما أجهد الإدارة الأميركية، وأجهد خزينتها كذلك، وكان من أسباب الأزمة المالية والاقتصادية التي تعانيها أميركا الآن.

-3-

زيادة على ذلك، كان الرئيس بوش سيئ الحظ في إدارته للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ففي 2001 فاز شارون في الانتخابات الإسرائيلية بأغلبية ساحقة، ورغم أنه هو الذي انسحب من غزة في 2004، لكنه ظل- وهو المعروف بعدائه الشديد للفلسطينيين- مسيطراً على القرار الإسرائيلي حتى عام 2006. وجاء بعده تلميذه النجيب أولمرت، الذي كان مراوغاً كشارون، مما أفشل خطط الرئيس بوش لإقامة الدولة الفلسطينية، وأدى إلى زيادة درجات هذا الفشل، رحيل ياسر عرفات عام 2004، وفوز «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية المتشددة دينياً، والرافضة لاتفاقية أوسلو 1993، واعتبارها فلسطين «وقفاً إسلامياً»، وواجب تحريرها من البحر إلى النهر، وعدم اعترافها بإسرائيل بموجب ميثاقها 1988، ونشوب الخلاف الفتحاوي-الحمساوي، والانقلاب الحمساوي في 2007 على السلطة الفلسطينية، واستئثار «حماس» بالسلطة في غزة، واشتداد الخلاف الفلسطيني-الفلسطيني بين «حماس» وقوى الميليشيات الإسلامية والقومية الأخرى من جهة وحركة «فتح»، من جهة ثانية مما جعل التسوية الفلسطينية-الإسرائيلية عسيرة عسراً أكثر من أي وقت مضى.

وبدت الجهود الأميركية عبثية ولا نفع فيها، لإحلال السلام في المنطقة، وإقامة الدولة الفلسطينية، كما وعد الرئيس بوش عدة مرات، وذلك من خلال التشدد الإسرائيلي برئاسة حزب الليكود، ثم حزب كاديما، الذي يُعتبر يمين الوسط، الذي خرج من الليكود اليمني المتطرف، وضم مجموعة من الصقور الإسرائيلية كشارون، وأولمرت، وشاؤول موفاز، ووزيرة الخارجية ليفني.

وامتدت هذه الأزمة إلى عام 2008، وانتهى عام 2008 بهجوم إسرائيلي كاسح وهمجي على قطاع غزة، رداً على الصواريخ التي تطلقها «حماس» على المستوطنات الإسرائيلية، مما باعد أكثر فأكثر من احتمال تنفيذ الوعود الأميركية بشأن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وانتهت ولاية جورج دبليو بوش على أصوات مدافع الجيش الإسرائيلي، وهدير طائراته، في سماء غزة، قاذفة قنابل الموت والعدم.

-4-

كانت سياسة الرئيس جورج دبليو بوش تزداد كراهية في الشرق الأوسط، كما لم يحدث لأي سياسة غربية أخرى، نتيجة لكل هذه العوامل السابقة، فلم تكن بريطانيا- التي أعطت وعد بلفور عام 1917 لليهود، لإقامة دولتهم في فلسطين، وسمحت لآلاف المهاجرين اليهود، للمجيء والاستيطان في فلسطين قبل انسحاب الإنكليز من فلسطين عام 1948 بعد حكم دام ثلاثين عاماً (1917-1948) من الانتداب البريطاني- مكروهة جداً من قبل الفلسطينيين، كما كانت عليه أميركا في عهد جورج دبليو بوش (2001-2008). وذلك للأسباب التالية:

1- منذ حرب 1967 تغيرت السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وتجاه العرب خاصة، فبعدما كان الرئيس أيزنهاور (1953-1961) هو الذي وجه الإنذار المشهور إلى العدوان الثلاثي على مصر، بضرورة وقف الحرب والانسحاب، كان الرئيس ليندون جونسون (1963-1969) في حرب 1967 أكبر معين لإسرائيل في مدها بالسلاح المتطور، والعتاد، والدعم المالي والسياسي. ومن هنا بدأت كراهية العرب الشديدة لأميركا، وزاد من هذه الكراهية عداء الأحزاب الإسلامية والقومية والشيوعية لأميركا. فالإسلامية تعادي أميركا لنصرانيتها، والقومية تعاديها لكونها ضد القومية والوحدة العربية، والشيوعية لعداء أميركا للشيوعيين، ولم يبقَ في العالم العربي غير القليل من يمين الوسط صامتاً.

2- كراهية الشارع العربي في 2002- الذي كانت تسيطر عليه الجماعات الإسلامية- لأميركا نتيجة لضربها حكومة طالبان الإسلامية السلفية في أفغانستان، وطردها، وتعيين حكومة برئاسة حامد كرزاي، ومطاردتها لزعماء «القاعدة» وأنصارهم بحجة محاربة الإرهاب.

3- كراهية الشارع العربي- الذي تسيطر عليه الأحزاب الدينية والقومية البعثية- لأميركا، نتيجة لغزوها للعراق، والإطاحة بصدام حسين، ثم شنقه بعد ذلك. وتحميلها مسؤولية كل العمليات الإرهابية المدمرة.

وللموضوع صلة.

* كاتب أردني

back to top