شموع المقاومة
«أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام»... حكمة صينية قديمة نتعلم منها الكثير، ويؤمن بها العقلاء ويلتزمون بها، وإن كان هناك مَن لا يقتنع بها ويصر ليس فقط على لعن الظلام، بل إطفاء الشموع التي يوقدها الآخرون. إن عملية تبادل الأسرى، التي تمت أخيراً بين «حزب الله» وإسرائيل، هي إحدى تلك الشموع التي يشعلها «حزب الله» في ظلام العلاقات العربية- الإسرائيلية (الصراع العربي- الإسرائيلي سابقاً)، وبالرغم من ذلك يحاول بعضهم إطفاء هذه الشموع والسخرية منها!
ومنذ نجاح «حزب الله»- رغماً عن أنف بعضهم- في تحرير الجنوب اللبناني، وشموعه تتوالى، وفي الوقت نفسه يزداد حقد بعضهم وكرههم له، وكلما حقق نجاحاً زاد هؤلاء من حقدهم وبغضهم. والعجيب أن يأتي هذا الحقد ممَن يفترض فيهم الفخر والتأييد. فبعض الأنظمة العربية يرفض تماماً نسب أي نجاح إلى «حزب الله»، بل يعمد إلى التشويه والسخرية. ويرجع هذا الرفض لأسباب عقائدية وطائفية أو دوافع سياسية. فمن ناحية يرفض بعضهم خوفاً من زيادة التعاطف مع «حزب الله»، ومن ثم ينتشر المذهب الشيعي لأنهم يمثلون- من وجهة نظرهم- المدافعين عن الإسلام والملتزمين بالسُنة، وهم على استعداد للحوار مع الأديان كلها، ولو في أوروبا، وليسوا على استعداد لتفهم موقف «حزب الله» أو الحوار مع مواطنيهم فوق أراضيهم! وبعضها يرفض من منطلق سياسي، فمع توقيع معاهدات واتفاقيات السلام مع الجار الإسرائيلي (العدو الصهيوني سابقاً)، ترفض تلك الأنظمة أي نجاح لـ«حزب الله»، لأنه يمثل فكر المقاومة ورفض الوجود الإسرائيلي، وهذا بالطبع يمثل تهديداً لها فهي صاحبة الواقعية السياسية، وأن أوراق اللعبة في يد أميركا، وأن علينا فقط السمع والطاعة والامتثال لما يقوله سيد البيت الأبيض، ونست هذه الأنظمة، أو تناست، ورقة سقطت سهواً من جيوبها والتقطها «حزب الله»، وهي ورقة الإرادة والكرامة. لهذا تصر على إطفاء شموع المقاومة، ولكن ذلك سيحرق أياديها ويظل نورها ساطعاً. وفي ثورة انفعال بعضها وحماسته للسخرية من «حزب الله»، خرجت عن قواعد العقل والمنطق كلها، وتحدثت حديثاً فكاهياً رافضاً عملية تبادل الأسرى بدعوى رفضها لنقل رفات الشهداء الفلسطينيين خارج التراب الفلسطيني! هكذا فجأة أصبحت الأرض الإسرائيلية تراباً فلسطينياً، وأصبح التراب الفلسطيني الذي سيضم الرفات في غزة والضفة خارج حدود الوطن! عندما تحرص إسرائيل على رفات جنودها وإعادتها، ولو بعد عشرات السنين، فهي تحترم آدمية الإنسان وكرامته وتقدر تضحيته في سبيل وطنه، وعندما يفعل «حزب الله» ذلك فهو مجرم آثم! ما هذا العبث والتناقض؟ وذلك كله ينطلق فقط من أجل التقليل من شأن «حزب الله»، أو بالأحرى، من أجل إلغاء فكر المقاومة لدى الشباب العربي وسحب ورقة الإرادة والكرامة من جيوبهم، ولكنهم لن ينجحوا أبداً في ذلك، فجذوة المقاومة موجودة في صدر كل شاب عربي قد تخبو أحياناً، ولكنها لا تلبث أن تعود لتضيء من جديد.