في جلسة ضمت بعض أنصار نظرية داروين التي تقول إن الإنسان أصله قرد، خرج علينا أحد الأصدقاء بنظرية جديدة، وهي أن الإنسان أصله «بغبغاء»، وأن من يزعم غير ذلك غلطان و«ما عنده سالفه» بالمرة!

Ad

ولما رأى علامات التعجب والاستنكار بادية على وجوهنا، راح يقدم الدلائل والبراهين على صحة كلامه، قال رعاه الله: «نعم... الإنسان أصله «بغبغاء» وشعبنا خير دليل على ذلك، لأننا مازلنا نحتفظ بكثير من الصفات الببغائية التي تظهر بين الحين والآخر دون أن نشعر بها، فنحن نردد الكثير من الكلمات التي نسمعها دون أن نفهم معانيها، ودون أن نقصد قولها، إنما هي العادة والتقليد وما اعتدنا على تكراره في كل مناسبة!

مثلاً... في الأعراس والأعياد ومجالس العزاء، نردد الكلمات بشكل أوتوماتيكي لكل من يهنئنا أو يعزينا، دون أن ننتبه أو نتحقق مما قاله المهنئون أو المعزون لنا، وقد جربت شخصيا أن أقول كلمات عكس ما يفترض قوله، فكانت الردود التي تأتيني هي نفسها التي تقال للجميع!

في بعض الأعراس كنت أحيانا أهنئ العريس بقولي «انخرب دارك» بطريقة سريعة بدلاً من أن أقول «بالمبارك» فكان يرد علي بابتسامة شقاقية «الله يبارك فيك... الفال لك إن شاء الله»!

وفي أحد مجالس العزاء قررت أن «أبيعها» فقلت لأقرباء الميت واحداً تلو الآخر وعلى وجهي علامات الحزن والتأثر «عجل الله قبرك» بدلاً من «عظم الله أجرك» وكان ردهم جميعا وهم ممتنون للطفي ورقة مشاعري «جزاك الله خيرا»!

وفي الأعياد، أقول بشكل آلي لكل من أقابله «عيدك مبارك» فيرد علي بدوره «أيامك سعيدة»، مع أنني أحيانا أتمنى أن يأخذ الله روحه أخذ عزيز مقتدر في هذا العيد المبارك، وهو يتمنى ألا أرى يوما سعيدا واحدا في حياتي وأن «تدعسني» شاحنة محملة بصلبوخ، وهي تسير بأقصى سرعتها في أقرب وقت ممكن!

نعم، نحن شعب «بغبغائي» إلى أقصى حد، نردد الكلمات دون أن نعي معناها، انظروا إلى بعض كُتَّاب الصحف (الكلام إلك يا جارة) وهم ينعتون على الدوام من يقرأ مقالاتهم بـ«القراء الكرام» مع أنه من المحتمل جدا أن يكون أحد هؤلاء القراء أبخل و«أجعص» من «إشحفان»؟!

وهم في ذلك لا يختلفون عن مذيعي التلفزيون الذين يكررون في ببغائية واضحة كلمات على شاكلة «مشاهدة ممتعة نتمناها لكم» و«أطيب الأوقات مع برامجنا» مع أن برامجهم تفيض تعاسة، وأبعد ما تكون عن المشاهدة الممتعة!

أما قمة «بغبغائيتنا» فتظهر واضحة جلية عند حديثنا في السياسة، لأننا نمزج الغباء بالببغاء، فكلمة «الحكومة الرشيدة» نطلقها على كل حكومة يتم تشكيلها، مهما بلغت من الضعف والسوء وقلة الإنجاز، بل إن حكومتنا الأخيرة التي لم تستمر أكثر من تسعة أسابيع كانت رشيدة، لأنها أنهت فقرتها «الماصخة» بأسرع وقت!

وأيضاً «النائب الفاضل» كلمة نرددها دائما، مع أن التصرفات «الصبيانية» لعدد من النواب في الآونة الأخيرة تجاه بعضهم بعضا، واصطيادهم في الماء العكر، والبحث عن إثبات لفساد ذمم بقية الزملاء، لهي أمور أبعد ما تكون عن الوقار والاتزان و«التكانة»... والفضيلة!

وبعد أيام ستبدأ جولة جديدة من الانتخابات وسنسمع من الجميع عبارات ببغائية معتادة، لا نمل من تكرارها في كل انتخابات مثل «كلنا ثقة بقدرة الناخب الكويتي على حسن الاختيار»، أو«الناخب الكويتي لديه من الوعي ما يمكنه من الاختيار الصحيح»!

مع أن سوء اختيار هذا الناخب «الواعي» لنوابه على الدوام هو أساس كل المشاكل السياسية التي نعانيها اليوم، لكنها «البغبغائية» المتأصلة فينا، قاتلها الله، هي التي تدفعنا لقول هذه العبارات التي لا نؤمن بها، ولا نقصد معناها بالمرة!

ألم أقل لكم إننا خير دليل على أن الإنسان أصله ببغاء؟!».