سيناريوهات اللاحرب

نشر في 20-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 20-07-2008 | 00:00
 ياسر عبد العزيز أنفق العالم كثيراً من الورق والحبر والطاقة لاستشراف سيناريوهات حرب أميركية/ إسرائيلية ضد إيران، على خلفية اتهام تلك الأخيرة بمحاولة امتلاك سلاح نووي، من شأنه لو تم تطويره أن يقلب التوازنات الاستراتيجية في المنطقة والعالم، ويضيف مصدر تهديد خطيراً للأمن والاستقرار من جهة، ومصالح أقطاب ودول مهمة في الإقليم والعالم من جهة أخرى.

لكن الحديث المحموم عن الحلول العسكرية لتلك الأزمة المستعصية لم يتح الفرص لاستشراف سيناريوهات أخرى محتملة، تتعلق بحال تفادي الحرب، واعتماد حلول سلمية، بغرض تفكيك تلك الأزمة أو احتوائها، أياً كانت المسارات التي ستأخذها، وأياً كانت النتائج التي ستتمخض عنها.

والواقع أن التقييم الاستراتيجي المحيط لأي أزمة دولية كتلك التي ينشغل العالم بها اليوم لا يجب أن يتجاهل إمكانية حلها حلاً سلمياً، خصوصاً أن ثمة ذرائع منطقية عديدة تجعل من تفادي الحرب، في مقاربة تلك الأزمة، حلاً قائماً واحتمالاً وارداً، رغم طبول المعركة التي نكاد نسمع إيقاعها يعلو يوماً بعد يوم.

فالولايات المتحدة المأزومة في حربين غير محسومتين في أفغانستان والعراق، مفتقدة الشرعية في واحدة منهما على الأقل، ومحملة بخسائر وأعباء أخلاقية ومادية وقانونية في كلتيهما، على أعتاب مرحلة تسلم وتسليم للحكم، يبدو منها أن إدارة ديمقراطية تملك أسباباً وحظوظاً مهمة للفوز فيها، بما يستتبعه هذا من احتمالات الميل إلى إقصاء خيار الحرب. وفي هذا الإطار، يمكن لأي تقدير موقف يتمتع بالاستيفاء والشمول أن يبحث في سيناريوهات اللاحرب، فيعينها تعييناً دقيقاً، ويشخص تداعياتها على الأقطاب الرئيسة المنخرطة في الصراع، وتلك التي تقف قريباً منه تتلظى بناره، وتحسب انعكاساته على مصالحها.

سيناريو اللاحرب يعتمد على أن الولايات المتحدة في ظل أعباء انتقال الحكم، وتصاعد أسعار الطاقة، ومخاوف الردع، وانشغالات الحربين في أفغانستان والعراق ربما تلجأ إلى التهدئة، التي ستقابل بترحيب إيراني تعززه مخاوف من ضربات غير محتملة، وأعباء سياسة عزل مضنية، تفوق أثمانها تكاليف الاحتواء المرهقة.

السيناريو الأول، ينصب على رضوخ إيران، ومن ثم موافقتها على تجميد مشروعها النووي، أو وضعه بالكامل تحت رقابة صارمة، تضمن عدم خروجه عن حدود محسوبة بدقة، لا تفضي في أوج تقدمها إلى تطوير سلاح نووي. وفي هذا الإطار، ستقبل طهران بحزمة مغرية من الامتيازات؛ بعضها مكاسب مادية مباشرة، وبعضها الآخر مكاسب استراتيجية، تحقق لها مصالح إقليمية معتبرة، وتضمن لها تسويات مقبولة في ملفاتها الإقليمية، بما يحفظ ماء وجهها مع حلفائها الإقليميين، ويعزز مواقفها في مواجهة بعض أعدائها وخصومها.

السيناريو الثاني، يستند إلى تطوير حال حشد وتهديد صارمة، تقتنع طهران على أثرها بأن محاولة المضي قدماً في خططها المزعومة لتطوير السلاح النووي ستنطوي على تكلفة أكثر من احتمالها، ومن ثم فهي سترضخ ايضاً لتفكيك مشروعها، وإبقائه قيد المراقبة، تحسباً وترقباً لظرف دولي وإقليمي يمكنها من استعادته وتطويره في مرحلة زمنية أخرى قد تبعد أو تقترب وفق موازين القوى الدولية والإقليمية وحساباتها المتغيرة.

أما السيناريو الثالث، فيتعلق باحتمال اقتناع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة والعالم بأن خيار الحرب غير وارد بالنسبة إليها على الإطلاق، بالنظر إلى الخسائر الاستراتيجية التي يمكن أن يتمخض عنها، وبالنظر إلى التمترس الإيراني الكبير، والرغبة الواضحة لدى قطاعات في الحكم الإيراني لتطوير المواجهة، على خلفية الإحساس العميق بـ«الذل التاريخي»، و«روح الاستشهاد»، والرغبة الكامنة في استعادة الإمبراطورية، المسكونة بالاعتبارات القومية والدينية المتجذرة في الروح الفارسية/ الشيعية في الجمهورية الإسلامية.

فإذا تم اعتماد السيناريو الثالث، وتركت إيران لتمضي قدماً في مشروعها، فستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، وعلى رأسهم دول الخليج العربية في مأزق حقيقي، مطالبين جميعاً بدفع أثمان باهظة، وتكاليف استراتيجية وتكتيكية مجهدة، ولأزمنة طويلة. لن يكون أمام واشنطن إذا ما تم تبني السيناريو الثالث إلا أن تسعى إلى بناء نموذج ردع واحتواء مشابه لذلك الذي بنته مع الاتحاد السوفييتي السابق قبل تحلله. ففي حال إسرائيل ظل السلاح النووي للدولة العبرية إضافة إلى الزخم الاستراتيجي الأميركي في المنطقة، وفي حال الهند وباكستان، بقي العداء المتأصل بين الدولتين دعامة الردع الأولى التي تبقي السلاح النووي لكلتيهما قيد التوازن الإقليمي من دون الكثير من الأعباء الدولية. أما الحال الإيرانية، وبعد تفتت العراق، فلن يكون هناك حل واضح سوى نظام الردع المشابه لذلك الذي تم تبنيه تجاه موسكو وقت أن كانت إمبراطورية، ثم معها حين تحولت عاصمة دولة ذات قدرة متوسطة تحاول استعادة دورها في العالم بعنت وتحسب شديدين. نظام الردع المأمول الوصول إليه مع طهران في حال تم تفعيل السيناريو الثالث، ستدفع تكاليفه دول الخليج العربية للأسف الشديد؛ وفي تلك الحال يجب على هذه الدول أن تعلم أن قواعد الردع والاحتواء ستتضمن مكافآت في جانب والتزامات في جانب آخر من جهة إيران. وفي جانب الالتزامات، فإن الجمهورية الإسلامية ستفي بها كاملة للولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا ومعهم إسرائيل: عدم التعدي، والاحترام الكامل لحدود التماس، ومصالح متبادلة على خلفية نوع من التكافؤ النظري. في جانب المكافآت، ستدفع دول الخليج العربية وبعض حلفائها الإقليميين الفاتورة كاملة: أموالا ومصالح وخصما واضحا من مقدراتها الاستراتيجية... وربما أمنها... أو وجودها ذاته.

 

* كاتب مصري

back to top