بعد الضجة التي أثارها بيان النائب العام المصري، والصخب الذي سببه حديث السيد حسن نصرالله، واعترافه بانتماء أحد المتهمين لـ«حزب الله»، ورفضه لباقي الاتهامات الواردة في بيان الاتهام، وبعد الهستيريا الإعلامية التي أصابت الصحف الحكومية المصرية نتيجة كل هذا، هل يمكن النظر بهدوء والحديث بعقلانية كي نتمكن من الرؤية السليمة للأحداث؟

Ad

بداية هل من المفترض باعتباري مصريا محبا لوطني أن أوافق على كل ما يقال وإذا رفضته أكون خائنا؟ وهل من المفترض باعتباري رافضا لسلوك «حزب الله» أن أسعد بإلصاق الاتهامات به، وإذا غضبت أكون عميلا؟ بالتأكيد الإجابة عن السؤالين بالنفي.

لذلك سأحاول أن أضع أمام القارئ بعض الحقائق كي يمكنه تنقيتها من الأوهام والخيالات الملتصقة بها، فيكون حكمه صحيحا صادقا فيما يراه حوله:

• جميع العمليات الإرهابية والاغتيالات التي تمت في مصر منذ ثمانينيات القرن الماضي واغتيال السادات في 1981إلى حادث الحسين الأخير، جميعها تمت بفكر وتنفيذ مصري داخلي ودون ارتباط جنائي بالخارج.

• تاريخ وسابقة أعمال أمن الدولة في تلفيق القضايا والتهم، وتحويل الخلافات السياسية إلى قضايا جنائية (لولا قانون الطوارئ وأوامر الاعتقال لانتهت بالبراءة) تاريخ يبعث على الشك.

• طوال عقدين من الزمان لم يثبت قيام «حزب الله» بعمليات إرهابية في أي دولة عربية خارج الأراضي اللبنانية.

• اعتراف متهم بارتكاب جريمة ما في منطقة بذاتها لا يعني مسؤوليته عن كل الجرائم المرتكبة في هذه المنطقة.

• التعاطف الشعبي المصري مع «حزب الله» (قبل بيان النائب العام) ليس مسؤولية «حزب الله» ولا جريمته التي يجب أن يعاقب عليها، ولكنه يرجع أساسا إلى عاملين: أولهما موقف الحزب في حرب لبنان وغزة الأخيرين وتوافقه مع الموقف الشعبي المصري، وثانيا التقارب المذهبي نظرا للتربية الصوفية التي نشأ عليها المصريون، وحبهم الشديد لآل البيت وأولياء الله.

• اتفاق النظام المصري وإسرائيل على كره السيد نصرالله والمطالبة برأسه يستفز مشاعر المصريين (رغم كل شيء) فالعداء لكل ما يجمع مصر وإسرائيل أكبر من الغضب لما قام به «حزب الله».

• وجود عداء شخصي وعدم احترام- للأسف- متبادل بين السيد نصرالله والرئيس مبارك، وبالتأكيد فإن هذا العداء المتبادل يلقي بظلاله على مجمل الأحداث وتفاصيلها.

هذه هي بعض الحقائق وغيرها كثير حول هذا الصراخ والعويل، وإن كانت كلها لا تخفي خطيئة «حزب الله» في (محاولة مساعدة «حماس» كما قال) تهريب السلاح عن طريق مصر فهذا خطأ جسيم لأنه توهم أن مصر لن تعلم، وإذا علمت تغض الطرف وتساعد سراً (كي لا تتأثر علاقتها بإسرائيل) وهذا خطأ آخر في تقدير الموقف وحساب العواقب.

وعلى الجانب الآخر فخطأ النظام المصري في محاولة تحويل الخلاف السياسي إلى قضية جنائية، ورغم أن هذا هو الأسلوب المتبع من النظام مع معارضي الداخل (إخوان- كفاية- 6 إبريل... إلخ) حيث يتم تحويلهم جميعا إلى متهمين بقضايا جنائية ينتهي %90 منها بالبراءة إلا أن هذا لا يجوز ولن يفيد في الخلافات السياسية الخارجية.

وفي النهاية... إذا كان أمن مصر خطاً أحمر كما يقول الجميع بالنسبة للقوى الخارجية فإننا نتمناه كذلك بالنسبة لقوى الفساد الداخلي، فلا يمكن أن يُسمح للفساد الداخلي بتدمير أمن مصر من خلال القضاء على أمن المواطن وحريته، ونملأ الدنيا صخبا وضجيجا لإثارة غضب الشارع ضد قوى الخارج وإلهائه عما يفعله الفساد في الداخل، فأمن مصر خط أحمر على السواء داخليا وخارجيا... «مش كده ولا إيه».

 

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء