العرب بعيون فارسيَّة!
أثار كتاب «صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث» الصادر عن دار قدمس للنشر والتوزيع، للأميركية جويا بلندل سعد، (ترجمه عن الإنكليزية صخر الحاج حسين) الكثير من الجدل في العالم العربي، خصوصًا أنه صدر في خضم صعود السياسة الإيرانية وتنامي التيارات التابعة لها في العالم العربي من فلسطين الى لبنان واليمن وحتى المغرب، إذ تختلط الايديولوجيا الدينية بالسياسية والثقافة.
كتاب سعد هو الأول من نوعه الذي يبحث في صورة العرب في أدب جيرانهم الفرس. قسّمته إلى خمسة أجزاء: المقدمة، خصّصتها للحديث عن الكتاب ومحتوياته والشخصيات التي تشكل أرضية بحثها، وكذلك موضوع «الأيْرَنَة»، أو الشعور الذاتي الإيراني الحديث بدءاً من القرن التاسع عشر انطلاقًا من العداء للآخر، وعلى نحو خاص، للعرب.الفصل الأول بعنوان «كتابات الرجال»، تناولت فيه آراء الرجال، وتعاملت مع صورة العرب في مؤلفات خمسة أدباء إيرانيين هم، محمد علي جمال زاده، صادق هدايت، صادق جوبك، مهدي أخوان ثالث، نادر نادربور. أما الفصل الثاني فتناولت فيه نتاج مجموعة من الكاتبات الإيرانيات البارزات مثل الشاعرة فروغ فرخ زاد، طاهره صفار زاده، الروائية سيمين دانشوار. يأكلون السحالي في سياق الحديث عن الكتب الفارسية أيضًا، تظهر المؤلفات المذكورة أعلاه معاداة العرب على نحو جلي، حيث يظهر العربي بصفات «مخادع، جشع وغشاش». صدر الكتاب أخيراً بترجمة إيرانية ووجّه الناشر الإيراني ناصر بوربيرار في مقدمة النسخة الإيرانية، انتقاداً لاذعاً للمثقفين الإيرانيين في عدائهم للعرب، كتب: «يوضح لنا هذا الكتاب مدى ارتباك مثقفينا في تبيان هويتنا القومية ويبحث عن فجاجة معاداة العرب المنتشرة والتي أصابت تقريبًا الأدب الإيراني المعاصر بالاعتلال ونخرته حتى مستوياته العالية «، ويؤكد الناشر، وهو فارسي الأصل من طهران، أن العداء للعرب بين أصحاب الرأي في إيران، ظاهرة حديثة العهد، لم تتعد القرن الأخير. يضيف: «عندما نعود إلى باعث هذا العداء اللامعقول ضد السكان الأصليين من عرب الأهواز وكذلك ضد الشعوب العربية المجاورة التي تشاركنا في الدين، وهو عهد الشاه رضا البهلوي، يتضح لنا أن أهل القلم تقريبا يتفقون ويتناغمون، على الأقل في موضوع معاداة العرب، مع رغبات الشاه رضا البهلوي».تحدثت الكاتبة عن أدباء فرس آخرين مثل ميرزا آغا خان كرماني الذي قال إن العرب «حفنة من آكلي السحالي، الحفاة العراة والبدو الذين يقطنون الصحراء»، وكذلك شاه رخ مسكوب الذي قال إن إيران أصبحت مسلمة لكنها لم تتعرب وكتب: «كانت إيران شجرة جديدة غُرست في مناخ الإسلام لكنها نبتت في تربة ذاكرتها القومية الخاصة بها». صوّر هذا الشاعر القومي الفارسي العرب بأنهم أقل مدنيَّة من الفرس وتظهر في سفرنامة «كتاب الأسفار» لناصر خسرو (القرن الحادي عشر) صورة العربي البائس غير المتمدّن. على غرار هذين الأديبين المتعصّبيْن قومياً، هناك صادق هدايت (1903 - 1951) الذي وصف العرب في معظم أعماله الأدبية بأنهم متوحشون وقساة ومتعطشون إلى الدماء وأنهم قذرون وبشعون وأصحاب جلود سوداء. تعرض الباحثة في دراستها نماذج من أدب الفرس المحدثين في نظرتهم العنصرية إلى العرب، ومن أطرف ما ذكرته عن الخيّام، صاحب الرباعيات الشهيرة، أنه بدوره كان يكره العرب. ففي مقدمته «رباعيات الخيام» باللغة الفارسية، كتب هدايت: «من ضحكاته الغاضبة وإلماحاته إلى ماضي إيران، يتضح أنه كان يكره أولئك العرب قطاع الطرق، ويحتقر أفكارهم السوقية من أعماق قلبه».أضحى أحمد كسروي، وهو أحد أعظم المفكرين في القرن العشرين، من مؤيدي التخلص من الأثر العربي إلى جانب كتاب بارزين آخرين مثل إبراهيم بورداود ومسعود فرزاد، وتصدر «قرنان من الصمت» لعبد الحسين زرين، على أثر الهيمنة العربية، قائمة أكثر الكتب مبيعًا خلال عقد الستينات من القرن الماضي. وحتى عندما اعتنقت إيران «الإسلام الشيعي»، كما تلاحظ المستشرقة الأميركية في بعض صفحات الكتاب، فقد صبغته بصباغ إيراني. أضفوا عليه من العناصر الفارسية ما نأى به عن التشيُّع بصورته ومظاهره العربية المعروفة. صحيح أن الإمام علي ما زال عربياً ولم يتحول إلى فارسي، إلا أن الفرس «أسقطوا على نحو واضح بعضاً من صورتهم الذاتية المثالية عليه». يقول الكاتب الإيراني دوراج «إن أصول علي العربية ليست موضع نقاش إطلاقاً، لكن الرسومات واللوحات في إيران تصوِّر الإمام علي إيرانياً وسيماً».كذلك تثير الباحثة مسألة تتصل بالعلاقة بين العرب والإسلام من جهة، وبين الإسلام الشيعي والإيرانية من جهة أخرى. تقول: «تمت أسلمة إيران، وفي عيون بعض الإيرانيين، الإسلام في جوهره عربي، لذا فهو غير إيراني، ويرى آخرون أن الإسلام الشيعي هو إسلام مؤيرن (أو إيراني)، وهو في صميمه إيراني، ويشكل جزءاً أساسياً في مفهوم الإيرنة».