إن كان اهتمام الأمم بالعلم والتعليم هو سبيل تقدمها وارتقائها، فإن سقوطهما من اهتمامات قادتها هو سبيل تخلفها ودمارها، وهذا ما ينطبق على مطالبات النواب الأخيرة بإطالة العطلة الصيفية وتأجيل العام الدراسي إلى ما بعد رمضان، إذ بدا واضحاً من تصريحاتهم أن التعليم بالنسبة إليهم أقل أهمية من خطط المواطنين والمقيمين للعطلة الصيفية، فبات ينبغي على الدولة حسب رأيهم أن تطوع العام الدراسي حول العطل وليس العكس. لو رأينا العالم المتحضر لوجدنا أن لديهم عاما دراسيا يتخلله بعض أيام الراحة، بينما لدينا يتحول العام شيئاً فشيئاً إلى عطلة طويلة يتخللها بعض أيام الدراسة. كما يبدو واضحاً أن التعطيل في العشر الأواخر بالنسبة اليهم أهم من التعليم رغم أن العمل والتعلم عبادة، فتخيل عزيزي القارئ لو آثر الخوارزمي وأويلر واينشتاين الاعتكاف في المسجد والمعبد بدلاً من دراسة الرياضيات والفيزياء، هل كان بإمكاننا اليوم هندسة تلك المساجد الرحبة والذهاب إليها بالسيارة تجنباً لحرارة الشمس؟
وفي مثال آخر لسقوط العلم والتعليم من اهتمامات النواب نسرد تصريح النائب مخلد العازمي للصحافة بتاريخ 8 يوليو عندما أشاد بـ«القرار الحكيم» لوزارة التربية بالسماح لتلاميذ المرحلة الابتدائية «الراسبين» في بعض المواد بدخول اختبارات الدور الثاني، انطلاقاً من الحرص على مصلحة التلاميذ «وإعطائهم فرصة النجاح»، مؤكداً تمتع الوزيرة «بالحس الإنساني»، ومثنياً على جهودها في «خدمة المعنيين بالميدان التربوي والتعليمي»، وداعياً إلى «دعم خطواتها الإصلاحية» والتعاون مع الوزارة لـ«دعم الإصلاح التربوي والتعليمي»، وختم النائب تصريحه آملاً بالمزيد من «الإنجازات» التي تساهم في «الارتقاء بالتعليم».بينما يتوجه العالم المتحضر نحو ترسيخ ثقافة التنافس على النجاح، يرى النائب مخلد العازمي أن خفض معايير النجاح حكمة وحرص على مصلحة التلاميذ، وخطوة إصلاحية ترتقي بالتعليم، كما يجسد النائب حقيقة تلوث مفهوم النجاح في مجتمعنا بإقراره بأنه هبة تعطى وليس بالضرورة إنجاز يُستحَق، فتخيل لو لم يدرس لاينوس بولنغ وأحمد زويل الكيمياء وجلسا في البيت بانتظار أن توهب لهم جائزة «نوبل» هدية.تخيل عزيزي القارئ لو لم يحز العلم والتعليم على اهتمام البشرية، تخيل لو أن قرار البشرية بشأن التعلم والتفكر كان بيد أشخاص كأعضاء مجلس الأمة الكويتي، فماذا سيكون حال الإنسان اليوم؟Dessertتخيل لو لم يكترث إسحق نيوتن بالتفاحة التي سقطت على رأسه فأكلها، ومضى في يومه من دون أن يجتهد ويتفكر في سقوطها، ويدرس ويبشر مستقبل البشرية بأن عامل الجاذبية يساوي 9.81 مترات على مربع الثانية، هل كان بإمكان النواب اليوم الجلوس مترفين في الطائرة باتجاه لندن وسورية وماليزيا لقضاء عطلتهم الصيفية المهمة جداً؟
مقالات
الخوارزمي ونيوتن وأينشتاين... سامحونا
24-07-2008