يأتي عقد القمة الاقتصادية العربية الأولى في تاريخ العمل العربي المشترك التي تستضيفها الكويت اليوم وغداً، في ظل مستجدات عالمية وإقليمية، بالغة السوء والتعقيد، منها أزمة مالية عالمية سوف تحد من تطلعات الشعوب والأمم في التنمية، ومجزرة، أو«هولوكست»، في غزة، راح ضحيتها ما يجاوز الألف شهيد وخمسة آلاف جريح، في عدوان هو الأكثر وحشية وبربرية، في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب العربي، وهو كارثة إنسانية سوف تكون لها الأولوية المطلقة على جدول أعمال القمة لإصدار قرار، بإنشاء صندوق لإعمار غـزة.
- مذبحة أو «هولوكست» الإرادة العربيةوالواقع أن مذبحة أو «هولوكست» غزة، لم تكن مذبحة لأهالي غزة وشهدائها وجرحاها الذين أصبحوا يُعَدون بالآلاف، ولم تكن مذبحة للشعب الفلسطيني وحده، بل كانت مذبحة و«هولوكست» للإرادة العربية التي مزقتها المذبحة إرباً، وجعلت هذه الإرادة تنزف دماً، مثلما ينزف الدم الفلسطيني في غزة، فقد أيقظت هذه المذبحة الأمة العربية من غفوتها لترى نفسها في هذا الانقسام والتشرذم، بعد أن كشفت المذبحة عن عجز كامل للإرادة العربية في مواجهة إرهاب الدولة الإسرائيلية والصلف والغرور اللذين أصابا قادتها ممن أصبحوا لا يعبأون بأمة قد أضناها الانقسام وفت في عضدها وألقاها بين أمم العالم ودوله وشعوبه في غياهب النسيان. لهذا فإنه من الخطأ الظن بأن حوار القمة حول مذبحة غزة هو حوار حول قضية ظرفيه، لأنها إذا كانت قضية ظرفيه من حيث زمنها، فإنها قضية مصيرية من حيث أبعادها وأهدافها، وأن هذه المذبحة يجب أن تلقي بظلالها على الاستراتيجية الاقتصادية وبرامج التنمية والمشاريع التي سوف تتبناها هذه القمة، والتي يجب أن تضع نصب عينيها أن تساهم هذه الاستراتيجية والتنمية والمشاريع في تحرير الإرادة السياسية العربية. - التحرر من التبعيـةفالتحرر من التبعية يوجب أن يكون من الأهداف الرئيسية لهذه القمة للخروج من مأزق المعونـات المشروطة سياسياً واقتصادياً، والتي تمنحها الولايات المتحدة الأميركية لبعض الـــدول، والخروج من أزمة الغذاء الطاحنة في الوطن العربي. فبقاء السوق العربية سوقاً استهلاكية دائمة للمنتج الأجنبي من الغذاء، هو أخطر أنواع التبعية، وقد أثبتت الأيام ذلك عندما استخدمت واشنطن سلاح القمح كأداة ضغط أساسية ضد مصر في عام 1965، ولوَّح به الغرب ضد الدول العربية التي استخدمت سلاح النفط في حرب 1973. وقد ترتب على السوق الاستهلاكي العربي المفتوح على الأسواق العالمية، شيوع نمط استهلاكي ترفي، حقق لحفنة من الطفيليين في المجتمعات العربية ثروات ضخمة دون مساهمة في زيادة الدخل القومي أو الإنتاج، الأمر الذي أدى الى تفكك اجتماعي ترجم نفسه في زيادة معدلات الجرائم والاتجاه الى العنف والتشدد والتعصب الديني والاغتراب وانتشار المخدرات. وقد كانت أزمة الخبز أحد الأسباب الرئيســية وراء الإطــاحة بنظام النميري في الســـودان، وأحــد أســباب الانتفاضات في كثير من أجــزاء الوطن العربي، في مصر (18 و19/1/1977) وتونس والمغرب (يناير 1984). وأن أحد الأهداف الرئيسية لوجود إسرائيل، وغرسها خنجراً في قلب الوطن العربي، هو الرغبة في السيطرة على ثروة النفط وعدم تمكين أصحابها الشرعيين منها، باستنفادها في حروب وقلاقل واضطرابات، وتسليح، وهي أكبر وأخطر ثروة في العالم، لما تمثله من تأثير على كل نواحي الإنتاج فيه ليكون ذلك وسيلة الاستعمار للسيطرة على هذه الأمة، بعد أن تظاهر بالتقهقر أمام حركات التحرير ليفرِّغ استقلال الشعوب التي تحررت من مضمونه الحقيقي، ويحوِّل الكثير من دولها إلى أنظمة تابعة، ويسخر برامج تنميتها وأرصدتها الناتجة عن تصريف ثرواتها الطبيعية، بغية استغلال تلك الثروات لتحقيق تقدمه وازدهاره مع بقاء هذه الأنظمة في مرحلة من التخلف والإنتاج البدائي. - المشروع القومي العربيإن التحرر من التبعية الاقتصادية يضع القمة العربية أمام مسؤوليتها التاريخية في أن تقر مشروعا قوميا للتنمية الاقتصادية، باعتباره الطريق الرئيسي لتحرير الإرادة العربية، خصوصا أن بقاء السوق الاستهلاكي العربي مفتوحاً للأسواق الخارجية في توفير الغذاء للوطن العربي الذي يعاني أزمة غذاء طاحنة، يجعل إرادة هذه الأمة في تبعية مستمرة للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الذين يملكون أكثر من ثلاثة أرباع فائض الغذاء في العالم، وتملك الولايات المتحدة الأميركية وحدها نصف الفائض.وقد يبدو عاريا من أي مبرر منطقي أن تعاني بعض مناطق السودان الجوع والقحط بالرغم من مواردها الهائلة وأراضيها الشاسعة الصالحة للزراعة التي تؤهلها لأن تكون سلة غذاء العالم العربي.إن المشروع القومي العربي يتطلب تضافر إمكانات وقدرات الدول العربية كلها، التي تربو مساحتها على مساحة القارة الأوروبية، وتتوزع إمكاناتها بين مخزون هائل من الطاقة (البترول) في الدول النفطية يوفر للعالم المتقدم أسباب ازدهاره وتقدمه، وثروات مالية طائلة لهذه الدول، وموارد مالية تمر بين السودان ومصر والصومال وفي المغرب وفي العراق، ومساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وغير المستغلة في السودان، وثروة بشرية في الدول غير النفطية. - التكامل بين الدول العربيةإن تحقيق التكامل بين الدول العربية، سيسرع من معدلات تطورها، ويساعدها على بناء اقتصاد قوي، ويحرر اقتصادها من أي تبعية خارجية، إذا أحسن التخطيط له ، ومن صور هذا التكامل أن تساهم الأموال العربية في البلدان النفطية مع الأيدي العاملة والخبرات المتوافرة في البلاد ذات الكثافة السكانية العالية في مشروعات مشتركة، وأن تدعم الحكومات هذه المشروعات دعماً مالياً وفنياً من أجل تحقيق الأهداف القوميـة. وإذا كانت الرأسمالية العالمية، قد تطورت في ظل اتفاقية الجات إلى حد القضاء التدريجي على الحدود الدولية والشعور الوطني، فأولى بالرأسمالية العربية أن تقضي فوراً على هذه الحدود، وإنشاء المشروعات العربية المشتركة متعددة الجنسية.
مقالات
ما قل ودل: على هامش القمة الاقتصادية... تحرير الأمة العربية من التبعية الاقتصادية لتحرير إرادتها السياسية
19-01-2009