عبدالله دشتي: فقر الكويتيين مصطنع والمجلس مسؤول عن البدون حال الوافد أفضل لأنه يملك حرية الحركة التي يفقدها غير محدد الجنسية
قال مشرف مبرة دشتي سماحة الشيخ عبدالله دشتي أنه يمكن، بملاحظة الفقر، تقسيم الناس في الكويت الى ثلاث شرائح هم الكويتيون اولا ثم فئة البدون واخيرا الوافدون عربا واجانب، ومن الواضح ان الفقر ينتشر بين الفئة الثانية والثالثة، دون ان ننفي وجود ذلك بين الكويتيين انفسهم.ويمكن ان يقال من حيث الأمن الاجتماعي، يعد البدون اسوأ الشرائح حالا، فالوافد مادام يوجد وفق قوانين الاقامة، ومادامت هناك سلامة في تطبيق القوانين لا يشعر بمشكلة كبيرة، اما البدون فالدولة ليست حاسمة في تحديد حالة وضعه، فحاله اشبه بالمعلقة الأسوأ حالا من المطلقة، ويترتب على ذلك افتقاد الأمن المعيشي فهو محارب ومتابع من قبل اجهزة الدولة، يمكن ان يقبض عليه في اي وقت، خلافا للمقيم الذي اقامته قانونية تمنع رجال الأمن من متابعته او ملاحقته، فلا توجد مشكلة من حيث معيشته في الكويت.
ومن حيث الاستقرار النفسي فالبدون اسوأ حالا، والسبب ان الوافد الفقير ينظر الى مجتمعه وحال مواطنيه فيه، فيفرح لانه يرى نفسه احسن حالا من كثير ممن يعيش في مجتمعه، ولم يحالفه الحظ للحياة في الكويت والعمل بها فهو ينظر الى من دونه فيهون عليه حاله، اما البدون فهو لا ينطلق من مجتمع افقر بل نظره الى الكويتي - المؤمَّن غالبا من جميع النواحي- ويأمل ان تكون له حقوق مثل حقوقه باعتبار انه يرى نفسه صاحب حق في الجنسية، فهو ينظر الى من فوقه فتتعب نفسه، نعم في الغالب ممتلكات البدون الفقير اكثر من ثروة الوافد الفقير، ولكن هذا لا يمنع وجود قيمة اكبر للمميزات التي ذكرناها للفقير الوافد.وإذا أردنا ان نتحدث عن طريقة علاج الفقر في اوساط الوافدين، ففي عقيدتي هو مجال عمل اللجان الخيرية اذ عليها ان تتبع حالات هؤلاء لاسيما العوائل قبل ان تتطلع الى الخارج، بل قد نعتمد على من نثق بهم في الداخل بسبب طول العشرة ونعتبرهم اساسا للاطلاع على اولويات الحاجة والعوز والفقر في المجتمعات الخارجية باعتبار انهم جاءوا منها وعاشوا بها.وأما من حيث الأسباب ففي شريحة الوافدين سبب الفقر طبيعي ينبع غالبا من أنهم يأتون من مجتمعات تقل مواردها ولا تفي بحاجات السكان وكثرة عددهم، وفي بعض الاحيان يكون من سوء ادارة حكام تلك البلاد للثروات الاقتصادية للبلد.أما فئة البدون ففقرهم محلي ينبع من عامل اساسي هو طريقة تعامل الدولة مع المشكلة التي تجذرت في المجتمع الكويتي بسبب الارتباك في ادارة ملف القضية طوال الاعوام السابقة، اذ ان شككنا في بعض الملفات فلا يمكن الشك في ملفات من دخل في احصاء عام 1965، ومع ذلك فإن الارتباك وسوء الادارة واضحان حتى في ملفات ذاك الاحصاء، فالمشكلة تراوح مكانها قرابة الأربعين سنة.وفقرهم برز على السطح بعد الأزمة بسبب سياسة الضغط والمحاصرة التي تبنتها الاجهزة الامنية بتبرير انه الطريق الصحيح لاجبارهم على كشف جنسياتهم الحقيقة، ولأنهم في الغالب من مجتمعات البادية التي تعودت على موارد مالية محددة من قبيل تجارة المواشي فيصعب على الكثير منهم مواجهة سوق العمل الكويتي المليء بالخبرات الاجنبية والعمالة الوافدة، اضف الى ذلك منع التعليم المجاني عن ابنائهم مما يعني ان طريق تحصيل الشهادات المؤهلة للعمل قد اغلق على هذا الجيل الناشئ منهم. من هنا فإن اكبر مشكلة انسانية في الكويت هي مشكلة هؤلاء، لذا فأنا اتعجب من لجان العمل الخيري التي تتفاخر بجهودها الخيرية في اقصى الشرق والغرب وتغفل هذه الحالة المزرية للعديد من العوائل التي تعيش بين اظهرنا، اما الحكومة فلا اتوقع منها خيرا بهذا الاتجاه، لانها من خلقت هذا الفقر وهذه المشكلة.المهم فقر هؤلاء علاجه يعتمد على قرار اداري سياسي سليم يصدر من الدولة والحكومة، وهي مسؤولية مجلس الامة بل من اهم مسؤولياته فهي اولوية مقدمة على كل الاولويات الاخرى، وهذا لا يعفي اللجان الخيرية في البلد والمبرات من تحمل مسؤوليات الى حين صدور القرار السياسي، والاداري السليم الذي ينصف هؤلاء المستضعفين في بلدنا.وأما بالنسبة للفقر بين الكويتيين، فليس فقرا واقعيا بل هو ينطلق من اغراق الكويتي نفسه في الديون، ولا اقصد الدين المرتبط بالاسكان، فهذا لابد منه والدولة تتعامل بنحو جيد في هذه المديونية، ولم تتسبب في اي مشكلة لدى اي كويتي إلا ما ندر.ولكن المصيبة تكمن في نوعين من الديون التي كان الكويتي في غنى عنها:الأول: الاستدانة للكماليات وللمظاهر الخادعة: فكثير منهم لاسيما النساء لا تنظر الى حاجتها الواقعية بل تنظر الى ما عند قريباتها وصديقاتها، فإذا كان لديها سيارة فارهة فهي تريد مثلها، وان غرقت واسرتها في الديون، وهكذا تبحث عن المنزل الفخم في المنطقة التي يرتفع فيها سعر الارض، ولا يهمها بعد ذلك حجم الديون التي تثقل رب الاسرة، ولا تشعر بالمصيبة إلا حينما تجد اقساط تلك الديون تستوعب راتبه بل وراتبها ايضا.أما الثاني: فهو الاستدانة للتجارة وزيادة الثروة، لاسيما في سوق الاسهم، مصيدة صغار المستثمرين، فأستغرب من البعض هل فقد عقله حينما يستثمر كل ما يملك في هذا السوق الخطير بل الاشد عجبا منه من يبيع منزله ومسكن اسرته كي يدخل في هذا السوق، والنهاية معروفة، ونراها امام اعيننا التي لا نهاية لها، والفقر الذي سببه سوء ادارة دفة الحياة.ولكن تبقى الحقيقة ان الفراغ التربوي هو السبب الحقيقي اذ القناعة كما في النص المأثور كنز لا يفنى فإذا استدبل بالحرص والطمح فنتيجته الفقر الذي يصيب الاغنياء في العرف الشرعي، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اصبح في سربه آمنا وفي بدنه معافى وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها»، وفي نهج البلاغة في كلمة لأمير المؤمنين، رضي الله عنه، يتحدث فيها عن زهد الانبياء، يقول: وان شئت ثنيت بموسى كليم الله صلى الله عليه وسلم، اذا يقول: «رب اني لما انزلت الي من خير فقير» والله ما سأله إلا خبزا يأكله لأنه كان يأكل بقلة الأرض، ولقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه، لهزاله وتشذب لحمه.لذا العلاج الاساسي للفقر الواقع بين الكويتيين التوعية السليمة والتعليم على القناعة وحسن ادارة المال واقتصاد الاسرة، وبالعبارة المذكورة في الاحاديث حس التدبير، واروع ما روي في ذلك عن علي رضي الله عنه: «حسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير من الإسراف».