مَن المسؤول؟
المستغرب أنه رغم المشاكل الكبيرة التي تقع في الجهاز الإداري الحكومي، فإن الحكومة عادة لا تحمّل أحداً من مسؤوليها الكبار تبعات المسؤولية عن هذه المشاكل، فلم نسمع أن مسؤولاً حكومياً قد استقال أو أقيل تحملاً للمسؤولية، باستثناء د. عادل الصبيح ود. معصومة مبارك اللذين قدما استقالتيهما تحملاً للمسؤولية السياسية، لهذا فإن الأغلبية العظمى من المسؤولين الحكوميين مستمرة في مناصبها رغم الفضائح والمشاكل الإدارية والمالية الكبيرة، التي تقع عادة نتيجة للفساد الإداري والمالي في الجهاز الحكومي.فقد حصلت الأزمة المالية المسماة «أزمة المناخ»، ولم نر أحداً قد تحمّل أو حُمِّل المسؤولية. ثم وقعت كارثة الغزو العراقي الغاشم واحتلال البلاد، ولم يُحاكم من جراء ذلك أي من المسؤولين الحكوميين رغم فداحة الأمر، بل عاد المسؤولون أنفسهم الذين أهملوا في أداء واجباتهم الوظيفية ليتبوأوا مناصبهم التي كانوا يشغلونها قبل الغزو، وكأن شيئاً لم يكن! وحصل، أثناء الاحتلال، سرقة القرن التي طالت الاستثمارات الخارجية وناقلات النفط وحتى الآن لم يُحمَّل أي مسؤول حكومي المسؤولية عن هذه الاختلاسات المالية الضخمة!
المزيد من الأمثلة؟ لا بأس... انهارت بيوت سكنية في منطقة الظهر، وانقطعت الكهرباء عن مناطق سكنية في هذا الجو القائظ رغم التأكيدات الحكومية المتكررة بعدم انقطاع التيار الكهربائي، وازدادت معدلات الجريمة وانتشرت المخدرات وساءت الخدمات الصحية، وتردّت الخدمات التعليمية، وارتفعت معدلات البطالة، وقفزت أسعار السلع الضرورية والمواد الإنشائية، وتعطلت التنمية، ودُمرت البيئة مما زاد من معدل التلوث البيئي بكل أشكاله، وتخلفنا في الرياضة والثقافة والفنون، وتراجع ترتيب الكويت في مؤشرات مدركات الفساد التي تصدرها منظمة الشفافية الدولية، وساءت الخدمات العامة، وتخلف الجهاز الإداري للدولة وكثرت مشاكله، وانتشرت ظاهرة الشهادات الدراسية «المضروبة»، وطالت فترة انتظار السكن الخاص الذي توفره الحكومة، وارتفعت بشكل فلكي أسعار العقار الخاص والأراضي السكنية، وانتشرت روح اللامبالاة وعدم احترام القانون بين أغلبية الشباب، وازداد التشدد الديني والنزعات الطائفية، وفشلت الدولة في فرض سيادة القانون وتعزيز مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما زاد من الولاءات التقليدية السابقة لتكون الدولة كالقبلية والعائلية والفئوية. حصل ويحصل هذا كله ولم يتحمل أو يحمل أي مسؤول حكومي المسؤولية التي تفرضها طبيعة الوظيفة العامة! أخيراً وليس آخراً، التظاهرات العمالية وأعمال الشغب التي قامت بها خلال الأيام القليلة الماضية بعض فئات العمالة الهامشية للمطالبة بحقوقها، والتي تعتبر- أي التظاهرات- مؤشرات ذات دلالة على المخاطر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي ستترتب على العبث الذي تمارسه «مافيا» الإقامات في التركيبة السكنية، والتي يتعدى علاجها الجانب الأمني رغم أهميته. هذا العبث لا يمكن له أن يتم من دون وجود الفساد المالي الإداري في أجهزة الدولة ذات الصلة بهذا الموضوع. ورغم ذلك كله، فلم يعلن، حتى الآن، أي مسؤول حكومي تحمله للمسؤولية ولم تقم الحكومة من جانبها، بتحميل المسؤولية عن أسباب ما جرى لأي من كبار مسؤوليها. والخوف، كل الخوف، أن يلقى باللائمة في نهاية المطاف، على العمال البسطاء المساكين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة، رغم رفضنا أعمال الشغب، ويُترَك المسؤولون الرئيسيون عن هذه المشكلة لتنفجر بشكل أكثر حدة في وقت لاحق!