سيعوي كالكلب... ويتقافز كالقرد!
مشكلة حكومتنا أنها تتدخل متأخرة دائماً، بعد خراب البصرة كما يقولون، فلا تبحث عن الحل لأي مشكلة إلا بعد أن تتفاقم، غير مدركة أن درهم الوقاية خير من قنطار العلاج، وأن العلاج يكون أصعب وأكثر كلفة بعد استفحال المرض، إنها-هداها الله- تقف على الدوام «تتفرج» على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين والمقيمين، وهي تكبر وتتمدد أمامها غير عابئة بإيجاد حل لها، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، حدث ذلك من قبل في قضية البدون التي كبرت ككرة الثلج من دون حل، وفي قضية القروض وفوائدها المتراكمة، وفي مشكلة زيادة الرواتب التي لم تراجعها منذ سنين، وفي مشكلة غلاء الأسعار التي تصاعدت أمام أعينها تدريجيا، وفي الفوضي المرورية التي تزداد كل يوم، وأخيرا وليس آخرا، في مشاكل العمال وإضراباتهم الأخيرة، بعد أن طفح بهؤلاء المستضعفين الكيل، و«طلعت أرواحهم» من مماطلة بعض شركات التنظيف «القذرة» في تسليمهم رواتبهم الهزيلة والتافهة بالأساس، ووضعهم في ظروف معيشية تعيسة فوق احتمال البشر، تحولوا بسببها الى مجرمين ومتسولين في دولة غنية عم خيرها البعيد قبل القريب، ووصلت مساعداتها الإنسانية لكل جائع وبائس ومحروم، في مشارق الأرض ومغاربها! كان بإمكان الحكومة، لولا سلبيتها الدائمة، حل هذه المشكلة قبل أن تتدهور وتصل إلى هذا المستوى المزري، كان بوسعها ألا تنتظر أن يبدأ العمال احتجاجهم وإضرابهم عن العمل وممارستهم لبعض أعمال الشغب حتى «تتحرك» (إن جاز لنا أن نسمي تعهدات الوزراء بمحاسبة الشركات تحركا) فقد كان باستطاعة الحكومة أن تراقب أداء هذه الشركات، وتتأكد من التزامها ببنود العقد المبرم بينها وبينهم، ومن ضمنها استلام العمال رواتبهم في الوقت المحدد، والالتزام بساعات عمل محددة، وتوفير ظروف المعيشة الكريمة لهم، بدلا من حشرهم بالعشرات في شقق صغيرة، كان عليها أن تدرك أنه في ظل الغلاء المستعر الذي ينهش المواطن قبل المقيم، لن يجد عاملا بائسا راتبه لا يتجاوز العشرين دينار، يستلم منه بعد الخصم نصفه أو ربعه وبعد مماطلة تستمر لشهور حلا أمامه سوى سبيل الانحراف والجريمة، أو التسول ثم الإضراب عن العمل، كان على حكومتنا أن تكون أكثر نباهة ووعيا، وأن تحسب حساب الأضرار الاجتماعية التي ستترتب على مشكلة كهذه، وانعكاساتها الأمنية على حياة المواطن والمقيم، على أقل تقدير!
الآن، يا سادة، وقد وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، هل لنا أن نتفاءل بأن هناك حلا حكوميا سريعا ونهائيا لمشاكل العمالة في البلد بشكل عام، ومشاكل عمال شركات التنظيف بشكل خاص؟! وهل لدى الحكومة أي تصورات أو أفكار جديدة ستطبقها في هذه القضية؟! وهل سنرى نهاية للتراخي والتسامح الحكومي مع بعض منعدمي الضمير، ممن يتاجرون بالإقامات، ويستعبدون البشر، ويشوهون صورة البلد؟! الواقع ان الأخبار التي نقلتها لنا بعض الصحف أخيرا، من أن جولة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الآسيوية سوف تشتمل على تسهيل جلب عمالة من الدول التي يزورها حاليا، تحل محل العمالة الباكستانية والبنغالية التي ارتكبت جرائم تهدد الأمن الاجتماعي، أخبار لا تسر، ولا تبعث على التفاؤل أبدا، ولا تدل على أن الحكومة لديها إدراك كامل وشامل لأبعاد القضية وأسبابها الحقيقية، فضلا عن أن تجد لها حلا فعليا!فالمشكلة ليست في جنسية العامل، إن كان بنغاليا أو باكستانيا أو حتى «سويسريا»، بل في الظروف القاسية اليومية التي يعيشها هذا العامل، والتي وضعته فيها شركات التنظيف المتعاقدة مع الحكومة، وفي «الفرجة» الحكومية على هذه المشكلة من دون أي محاسبة حقيقية لهذه الشركات، ما أعنيه، محاسبة على أرض الواقع، لا على صفحات الجرائد من خلال تصريحات بعض الوزراء والمسؤولين الحكوميين، وما لم يتغير السلوك القذر لشركات التنظيف نحو عمالها، وسلوك الحكومة المتسامح نحو هذه الشركات، فلن يتبدل شيء أبدا، وسيستمر الوضع على ما هو عليه، وربما أسوأ في قادم الأيام!الإنسان أيها السادة، أي إنسان، هو ابن بيئته ونتاج ظروفه التي يعايشها، فإن غيرنا من بيئته وظروفه، غيرنا من سلوكه وأخلاقه، فقديما، قال أحدهم: «أحضر أكثر الناس اتزانا وحكمة وعقلا، ثم افرش له الأرض جمرا وشوكا، واجعله يمشي مرغما عليها «سيعوي كالكلب... ويتقافز كالقرد»، فهل تفهم وتعي حكومتنا هذه النقطة، قبل أن تفكر بجلب عمالة من جنسيات أخرى؟!