دمشق وطهران تحتفلان بتفوّق حليفهما اللبناني!

نشر في 04-08-2008
آخر تحديث 04-08-2008 | 00:00
 محمد صادق الحسيني تحول لبنان ذلك البلد الضعيف والمستضعف، منذ ما يقارب الستين سنة أيضا، إلى بلد يفاخر به ليس فقط الشعب العربي اللبناني وقواه الحية في أي طائفة أو مذهب أو دين أو معتقد، بل وجمهور الشعب العربي كله من أقصاه إلى أقصاه والأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا، بل والعالم الحر الشريف في كل مكان.

نحو سبعين وزيراً من وزراء مجموعة دول عدم الانحياز اجتمعوا في العاصمة الإيرانية طهران الأسبوع المنصرم، في إطار الدورة الخامسة عشرة للمجموعة المذكورة، ولسان حالهم جميعا كان يتحدث بلغة واحدة القدر المتيقن والمشترك فيها هو أنه كفى تفردا... وكفى هيمنة على مقدرات هذا العالم تحت أي ذريعة كانت وباسم أي دعاوى كانت حتى لو كان اسمها إشاعة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان!

وهذا الكلام يذكرني بالمجاهد الجزائري الراحل عبدالحميد باديس الذي قال يوما، وهو يقاوم المستعمر الفرنسي ما مضمونه: والله لو قالت فرنسا لا إله إلا الله، ما كررت ذلك خلفها ولا قلته!

ومن جهة أخرى، فإن طهران اليوم منشغلة في قمة استثنائية تجمع بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس أحمدي نجاد في ظل حملة شرسة على كل من سورية وإيران؛ الأولى، لكونها المتهمة في رعاية ما يسمونها بمنظمات الإرهاب العربي الفلسطيني- أي فصائل المقاومة الفلسطينية والجهاد الفلسطيني ككل. والثانية، لأنها باتت بمنزلة البنك المركزي الراعي للإرهاب العالمي، وذلك لأنها وضعت دعم الكفاح والنضال العالمي ضد ما بات يعرف بالشيطان الأكبر، أي أميركا، في صدر جدول أولوياتها.

في هذه الأثناء، فإن اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم باتت في أوج انقلاباتها وتحولاتها العظيمة وذلك للأسباب التالية:

أولا: إن القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية التي منها انطلقت كل معاناة هذا الشرق العربي والإسلامي الحالية منذ نحو ستين سنة على الأقل، باتت اليوم محط أنظار كل إنسان حر شريف في العالم العربي، على الأقل مهما اختلفت أو تفاوتت نظرته مع الجهاديين والإسلاميين الفلسطينيين أو غير الفلسطينيين في تصوراتهم ورؤيتهم للنضال والكفاح المسلح. والعالم اليوم يريد حلا جذريا لهذه القضية الإنسانية التي باتت تؤرق الضمير الإنساني الحر، ولم يعد الحد الأدنى المقبول من الحل سوى إعادة هؤلاء المنفيين والمنتزعين والمقتلعين من أرضهم بقوة السلاح إلى ديارهم الأصلية، وهو ما جاء على لسان جنرال العصر الحر العماد ميشيل عون، وهو المؤمن المسيحي بامتياز، وهو ما جاء في آخر تصريحات له حيث أعرب فيها بصراحة عن ضيق صدره الواسع بما اختلقته ولاتزال الماكينة الدعائية الغربية من «تجليط»، أي كذب وتدجيل، في هذا الشأن على امتداد الستين عاما الماضية، كما ورد على لسانه بالحرف الواحد!

الأمر الذي يعني في ما يعنيه أن هذه القضية المقدسة لم تعد مجرد مشكلة سياسية خلافية بين الكيان الصهيوني ومجموعة من الفلسطينيين الإسلاميين المسلحين الفارين من وجه العدالة الدولية، كما تحاول ان تصفهم وتتهمهم الدول الغربية الكبرى وحكومة تل أبيب وتوصمهم بالإرهاب وتتهم سورية باحتضانها غير المشروع لهم، في ما تتهم طهران بدعم وإسناد هذه المجموعات بكل ما أوتيت من قوة ما يجعلها تتخذ صفة البنك المركزي للإرهاب، حسب مواصفات الدول الغربية الكبرى أيضا، مقابل ان تنعت هي نفسها -وفي المقدمة منها الولايات المتحدة الأميركية- بالدول التقدمية والديمقراطية الحرة!

ثانيا: لقد تحول لبنان ذلك البلد الضعيف والمستضعف، منذ ما يقارب الستين سنة أيضا، إلى بلد يفاخر به ليس فقط الشعب العربي اللبناني وقواه الحية في أي طائفة أو مذهب أو دين أو معتقد، بل وجمهور الشعب العربي كله من أقصاه إلى أقصاه والأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكرتا، بل والعالم الحر الشريف في كل مكان من جهات الكرة الأرضية الأربع، حتى بات المثال الأبرز، إن لم يكن الوحيد، في هذا العصر لمقولة: «كم من فئة قليلة هزمت فئة كبيرة بإذن الله»... كما هو مضمون الآية الكريمة. وهو الأمر الذي أشاع ثقافة المقاومة وإمكان تحقيق النصر على الأقوياء بفضل الإيمان المدجج باليقين، كما تقول وسائل اعلام العدو نفسها، قبل وسائل الإعلام الصديق، وهو ما جعل لبنان في صدر قائمة «الدول العظمى»، إن لم يكن في صدر العالم ومركزه، رغم صغر مساحته الجغرافية وقلة عدد سكانه وافتقاره إلى الإمكانيات المادية المشهورة والمعروفة من ذهب أصفر أو أسود أو ترسانة أسلحة فتاكة، وهي الامكانات التي عادة ما تتباهى بها الأمم في هذه الايام!

ثالثا وأخيرا وليس آخرا، فإن الكيان المصطنع والمسخ الذي زرعه مرة أخرى ذلك المجتمع الغربي الغريب الأطوار عنوة وبقوة الحديد والنار قبل نحو ستين عاما من الآن أيضا، في قلب وطننا العربي والإسلامي بات اليوم يعاني الشيخوخة والهرم البائنين والواضحين لكل لبيب، وهو يمر في فصل خريفه الذي لا يختلف اثنان على أنه بدأ حتى داخل الكيان نفسه بعد أن تزايدت الدراسات والتحقيقات والتكهنات التي تقول إنه لم يبقَ من الكيان إلا ذلك الشريط الساحلي الضيق الممتد من حيفا إلى عسقلان مرورا بمنطقة تل أبيب، كما ورد في دراسة حديثة لأحد قادة الموساد السابقين، وهو متاي شتاينبرغ في كتاب أخير صدر له تحت عنوان «يقفون أمام مصيرهم»، وذلك بعد أن أحاطت به جموع الحانقين ضده واللافظين لوجوده بينهم، وهم الفلسطينيون، أو أنه بات يحمل بذور فنائه في داخله، كما جاء على لسان ابراهام بورغ الرئيس الأسبق للكنيست الصهيوني!

الأمر الذي يعني في ما يعنيه، أننا، أي نحن العرب من مسلمين وغير مسلمين والعالم الإسلامي بخريطته جميعها المتنوعة والمتعددة والموزعة في إبداعاتها الحضارية والثقافية والدينية، بتنا اليوم «أمة المستقبل»، وإن بدا المظهر قاسيا ومؤلما ومشوشا أو مشوها أو حتى مترهلا بعض الشيء بسبب اصابات المرض البالغة الخطورة. في حين يبدو الكيان الذي زرعوه في قلب وطننا الكبير، والكبير جدا، أشبه بالغدة السرطانية التي تنتظر الإزالة والقلع والكي عما قريب، وإن بدت قوية أو شرسة أو مستشرية أو منتشرة أو حتى في حالة «هجوم» ضد الخلايا الحية والسليمة والنظيفة كلها في جسدنا الكبير!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني

back to top