نعم... فرعون
إن الضجة المثارة حول الفيلم الإيراني «إعدام فرعون» والتعليقات المتتالية -بالرغم من اعتراف الجميع أنهم لم يشاهدوا الفيلم- تدور كلها حول اسم الفيلم وفكرته.
بالنسبة لاسم الفيلم فلا يوجد أي خطأ أو سوء نية، فكلمة «فرعون» كما هو معروف وصف لحاكم مصر، والكلمة ذاتها مرتبطة بمصر والمصريين منذ القدم، كما أن المنتخب المصري لكرة القدم، مثلا، يطلق عليه منتخب الفراعنة... وكلمة إعدام تعني قتلا أو اغتيالا، وهو ما حدث فعلا أي أن اسم الفيلم يعني «اغتيال حاكم مصر» ففيمَ الغضب والرفض؟!! قد يكون استخدام كلمة فرعون مرتبطا نفسيا ومعنويا لدى الرأي العام بالظلم والطغيان، كما يقول المثل الشعبي «تحسبه موسى يطلع فرعون»... وقد يعترض بعضهم على هذا المفهوم تحديدا، ولكن من المعروف أن العدل مطلق والظلم نسبي، بمعنى أن بعضنا قد يرى السادات حاكما ظالما فعلا... ألا يُعد إلقاء القبض على 1500 من خيرة رجال مصر ومثقفيها في ليلة واحدة ظلما وطغيانا؟ ألا يعتبر حل مجلس الشعب بعد رفضه التصديق على معاهدة السلام ظلما واستبدادا؟ ألا تُعدّ معاناة المواطن المصري البسيط من سياسات السادات الاقتصادية وتقلباته المزاجية بعد حرب أكتوبر ظلما وقهرا للشعب المصري؟... هذه الأمور كلها قد يراها بعضنا ظلما واستبدادا يستحق عليه السادات لقب فرعون بمدلوليه اللفظي والمعنوي فلا غرابة ولا عجب في الاسم. وبعيدا عن الاسم، وبالنسبة لفكرة الفيلم، فكما قيل يتعرض الفيلم لعملية الاغتيال في أكتوبر 1981 ودوافعها ونتائجها، كما يتناول بالإعجاب والتقدير قتلة السادات، وهنا المشكلة الكبرى التي يعترض عليها كثيرون. فالفيلم باختصار شديد يمجد قتلة السادات وبوضوح أكثر يدعو إلى الاغتيال السياسي، وهذا ما أثار حفيظة الجميع... ولنا هنا وقفة واقرأوا معي: «أدخَل السادات على تفكيرنا تعديلاً لم يكن واردا، وهو أن الطريقة الفعالة لتحقيق أهدافنا هي القضاء على الزعماء المصريين المتعاونين مع الإنكليز، وأننا إذا تمكننا من اغتيال عدد منهم فلن يجد الإنكليز مصريا واحدا يتعاون معهم»... هذا ما ذكره محمد إبراهيم كامل في مذكراته «السلام الضائع « (ص 13)، وهو كما نعلم زميل السادات في زنزانته في قضية مقتل أمين عثمان، ويتضح جليا ومن دون أدنى شك أن فكر الاغتيال السياسي هو الفكر الذي آمن به السادات، ودعا إليه منذ شبابه الباكر... فأن يأتي اليوم فيلم سينمائي ويؤيد الاغتيال السياسي، ويدعو إليه فهو في حقيقته يؤيد فكر السادات ويدعمه، فكيف يدعي بعضهم أن الفيلم يهين السادات ويحقره. لقد قُتل السادات، ليس فقط بفكره الذي آمن به وعقيدته التي اعتنقها، بل أيضا بالسلاح والقوة التي وضعها في أيدي الجماعة الإسلامية لمعادلة قوة اليسار المصري الرافض له، فلم يخطئ الفيلم في الاسم ولا في الفكرة، وإن كنت أرى أن الاسم الأقرب إلى الحقيقة هو «انتحار فرعون» لولا أن الانتحار فكر بعيد عن سلوك الفراعنة. قد يثير المقال سخط وغضب كثيرين ورفضهم... ولكن عُذرا يا صديقي، فمن حقك أن تغضب ولكن الحقيقة أيضا صديقتي الدائمة، فمن واجبي المحافظة عليها... عذرا يا صديقي. # أستأذن القارئ في الانقطاع لإجازة... ولنا عودة في منتصف سبتمبر إن شاء الله.