بعد خطوات جادة لنيل هذه المطالب، تتقدم المرأة اليوم لتخوض تجربتها في سلك الشرطة، لتقف جنبا إلى جنب مع الرجل وتشاطره العمل في إحدى أصعب المهمات الإنسانية.

Ad

بعد النداءات العديدة التي أطلقتها المجتمعات المتطورة، وبعد مطالبات المرأة بالمساواة في الحقوق والواجبات، وبعد خطوات جادة لنيل هذه المطالب، تتقدم المرأة اليوم لتخوض تجربتها في سلك الشرطة، لتقف جنبا إلى جنب مع الرجل وتشاطره العمل في إحدى أصعب المهمات الإنسانية.

المرأة بشكل عام والكويتية بشكل خاص، قادرة على خوض مجالات كان يحتكرها الرجل، لاسيما أن دور الشرطة النسائية لابد أن يرتكز على المساعدة والمهام الإنسانية، ودخول تلك الأماكن التي يجد الشرطي الذكر صعوبة في اقتحامها، أو إبداء المساعدة فيها على أكمل وجه، لظروف اجتماعية لا تخفى على الجميع.

حماس المتقدمات

والعامل الإيجابي في هذه المسألة ما أشارت إليه تصريحات المسؤولين إلى كثرة أعداد المتقدمات، وأن مؤهلاتهن اختلفت بين الشهادات الجامعية والدبلوم والثانوية. وعلى الرغم من حماس المتقدمات بدليل كثرة عددهن، تتجه النية نحو توكيل مهام محدودة للشرطة النسائية، التي ستعمل تحت مظلة سلك الهيئة المساندة، إذ سيتم الاكتفاء بعملهن في مجال الرقابة على المنافذ البرية والمطار، ويتم التوسع مستقبلا ليشمل المنافذ البحرية والسجون النسائية.

مهام الشرطة النسائية في العالم

الواقع العملي في الدول التي سبقتنا في هذا المجال، يشهد خوض الشرطة النسائية في مهام أكثر أهمية وفاعلية عن تلك التي ستوكل إليها في الكويت، مثل حماية الشخصيات النسائية وهي تجربة ناجحة خاضتها دولة الإمارات، والمشاركة في مفاوضات بشأن إخلاء سبيل رهائن، وغيرها من المسائل التي تستطيع المرأة تجسيد دور مهم من خلال ذكائها الاجتماعي والفطري إلى جانب المهارات الفنية المتلقاة من خلال التدريب والتأهيل العالي. كما يبرز دورها في مواكبة تطورات الحياة الحديثة، كما هو الحال في عملها بمجال جرائم الحاسوب، فدور الشرطة هنا يجمع بين الدور المكتبي المعهود للمرأة، والدور الميداني المحتَكَر للرجل في ما مضى.

شرطة المرور

هذا ويبرز دور الشرطة النسائية في مجال المرور في البلدان المختلفة، إلا أنه يثير بعض التحفظات في الكويت خصوصا في ظل أجوائنا القاسية صيفا، فتتردد الأقاويل نحو عدم مقدرة المرأة على توفير النظام والحماية لكونها مخلوقة ضعيفة بحاجة إلى الحماية، لكن على المرأة الجادة وهي في سعيها إلى نيل حقوقها كاملة أن تتخطى هذا التمييز المجتمعي، وأن تبرهن للوجود أنه لا فرق بين رجل وامرأة، وأن هذه المهام لا يخوضها إلا من تتوافر فيه صفات جسدية تؤهله لتحمل الصعاب ومواجهتها.

زي الشرطة النسائية

إن زي الشرطة النسائية لابد أن يكون له شكله ورونقه الخاص، الذي يجمع بين العملية والهيبة، ولعل شرط الهيبة مطلوب فقط في بلداننا العربية، إذ ان زي بعض عناصر شرطة نيويورك عبارة عن بنطال لأسفل الركبة وقميص نصف كم مع دراجة هوائية، وهنا أتكلم عن زي الشرطة بجنسيها.

لكن المظاهر لاتزال تطغى على عالمنا العربي، لذلك جاء التركيز من قبل مسؤولين من وزارة الداخلية على أن زي الشرطة النسائية يتميز بالحشمة والوقار، وذلك من خلال تحديده بغطاء للرأس يغطي الشعر، بالإضافة إلى القبعة ولباس طويل مع بنطال، وأن ارتداء الحجاب سيكون الزاميا مع الزي الشرطي. وهو امر معمول به في جميع الدول الخليجية التي سبقت الكويت في هذا المجال، وأنه سيكون شبيها بزي الشرطة النسائية في دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد سبقت تجارب دول عربية مثل مصر والأردن وفلسطين تجربة دول مجلس التعاون الخليجي، ويتسم زي الشرطية العربية بالحشمة والوقار من دون اشتراط ارتداء الحجاب، فهو أمر اختياري، وصفوف الشرطة العربية تجمع المرأة المحجبة وغير المحجبة.

كما أننا نتساءل عن سبب الاقتداء بتجربة دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة الزي دون غيرها، فهناك دول خليجية سبقتنا في شؤون أخرى ولم يتم الاقتداء بها، هذا بالإضافة إلى التساؤل عن سبب الاقتداء بالتجارب الحديثة التي اقتدت بتجارب سابقة.

النقاب ممنوع

وكان مسؤولو وزارة الداخلية قد أكدوا أن النقاب ممنوع على الشرطة النسائية، وهو أمر يفرضه المنطق وواقع الحال، إذ انه لا يمكن لشخص مغطى الوجه أن يمارس مهنة أمنية، فالهوية منعدمة في مثل هذه الحالة، كما أن ارتداء النقاب قد يشكل وسيلة جيدة للتخفي، ويثير الكثير من اللبس واللغط الذي يناط بالشرطة إزالته.

أكبر من الشكليات

إن دخول المرأة في هذا المجال الحيوي والمهم في النشاط الاجتماعي-الأمني، يعتبر في حد ذاته تقدما ملحوظا تراهن المؤسسة الرسمية والمرأة بشكل خاص على نجاحه، ولهذا السبب، ليس بالضرورة أن ننشغل، والمشروع في بواكير تنفيذه، بتلك القضايا التي تعد «شكلية»، ونقصد بذلك إرهاقنا في مناقشات جانبية تخص الشكل العام لـ«الشرطية الكويتية» المستقبلية، ونغفل الطرق العلمية والعملية في إعدادها، لتشكل إضافة جوهرية إلى هذه المهنة البالغة الخطورة والتعقيد، وعليه، لا نعرف المواد الأكاديمية التي ستتلقاها النساء الشرطيات، وهل توجد علوم أساسية في هذه المهنة كتقديم الإسعافات الأولية وبناء الشرطية بطريقة حسنة في مسائل التعامل مع الحالات المستعصية التي ينفع فيها «الطب النفسي» مثلا، وهل ستتلقى الشرطيات حصصاً تعليمية في مواد دراسية تفيدهن في التعامل مع الآخر وفق أسس علمية صحيحة، لاسيما أن أغلب احتكاكهن سيكون مع النساء اللواتي يحتجن إلى طريقة خاصة في التعامل قد لا يجيدها الشرطة الذكور، أو كان الحاجز التعليمي عائقا في إظهار مهاراتهم في النجاح فيها.

تاليا، فإن ظهور أول شرطية كويتية ينبغي أن يكون ناصعا بتحديه، عميقا في الإعداد ومبشراً بالنجاح، لهنّ وللمجتمع الذي سيؤازرهن هذه المرة، كما نتمنى على الأقل.