لن أفاجئ أحداً، بل لن آتي بجديد على الإطلاق، حين أتحدث عن كيف أضحت الصين اليوم قوة اقتصادية ساحقة، وكيف أنها تسير بخُطى راسخة لتصبح القوة الاقتصادية الأقوى في كل العالم قاطبة، وكيف أن صادراتها قد أصبحت تشكل نسبة كبيرة ومؤثرة من إجمالي الصادرات العالمية في الاتجاهات كلها، لأن هذا الكلام قد صار من المعلوم بالضرورة، الذي يعرفه الناس كلهم على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم.

Ad

وأنا متأكد أنه لو نظر القارئ إلى ما حوله الآن، لوجد أكثر من نصف الأشياء المحيطة به وقد طُبع عليها «صُنِع في الصين»!

أولادي الصغار يحلمون ليل نهار بزيارة الصين، لأنهم لكثرة ما شاهدوا جملة «صُنِع في الصين» منقوشة على ألعابهم ومقتنياتهم، صاروا يظنون أنها الجنة التي فيها كل شيء!

لم يتسنَّ لي أن أشاهد وقائع احتفال افتتاح دورة الألعاب الأولمبية المنعقدة حاليا في الصين حين بثت على الهواء مباشرة، لكنني بعدما سمعت وقرأت عن كيف أنه كان احتفالا خياليا بل يفوق الخيال، حرصت على مشاهدة تسجيلاته من خلال «اليوتيوب».

لا أدري كيف يمكن وصف ما شاهدت... لربما سأقول إنه كان خياليا بكل معنى الكلمة... أو سأقول بأنه يبهر بشكل منقطع النظير... أو ربما يحبس الأنفاس ويخلب الألباب... لكنني سأجدني وقد وصلت إلى أنه لا كلمات يمكن أن توازي روعة وجمال ما شاهدته العين في ذلك الاحتفال الأسطوري!

أعدت مشاهدة وقائع الاحتفال لأكثر من مرة، لتجاوز تأثير بريق الألعاب النارية، وتناسق حركات مئات بل الآلاف ممن قاموا بتأدية فقرات الاستعراضات، في محاولة لبلوغ النواة الجوهرية في باطن ما أشاهد، لأصل إلى نتيجة مقاربة لما انطلقت منه في بداية المقال.

لكن ما يضحك فعلاً هو محاولة بعض كتّاب الصحف الغربية هذه الأيام التشكيك في ما شاهدوه في التلفاز، ومحاولتهم القول إن ما نقلته الشاشات عن ذلك الاحتفال هو عبارة عن خدع سينمائية تم «تزييفها» بواسطة الكمبيوتر، وذلك في محاولة منهم للتقليل من حجم الانبهار العالمي الذي أعقب مشاهدة الناس في دول العالم المختلفة ذلك الاحتفال الأسطوري.

إن هذا الاحتفال الشديد الضخامة، والذي أقيم على تلك المنشآت المهولة بهندستها المعمارية الفائقة التي أقيمت خصيصا لهذا الغرض، مع تلك الموارد البشرية التي شاهدناها تقوم بذلك الأداء الاستعراضي المبهر، بأدق تفاصيل تفاصيله وتناسقه المنقطع النظير، لترسم لوحة خيالية نقلت لملايين البشر حول العالم، ليَدلّ على أن قوة الصين حقيقة قائمة لا «تزييف» فيها، وأنها غدت اليوم أكثر بكثير من مجرد قوة اقتصادية عالمية كبرى!

ومن شاهد الفقرات التعبيرية التي قام بها الراقصون خلال الاستعراضات في ذلك الحفل، وكيف عبّرت عن تطور الصين عبر العصور، وكيف أن الصينيين هم من اخترعوا البارود وأحرف الطباعة وغيرها من المخترعات التي استفادت منها البشرية قاطبة، سيستنتج أن لهذه الفقرات رسائل أبعد بكثير من مجرد التذكير بتاريخ الصين، وأنها تقول في حقيقة الأمر بأن أغلب اقتصاد العالم، إن لم يكن كله، قد يصبح في يوم من الأيام... صُنِع في الصين!