سقط الكاتب والباحث والمثقف العراقي الكبير كامل شياع قبل أيام على أيدي قوة ظلامية لاتعرف للإبداع والعطاء معنى، حاله كحال آلاف العراقيين الذين يسقطون بعبث العنف الذي يغلف الحياة في العراق.

Ad

عاد شياع الى أرض الوطن بعد سنوات مريرة من الغربة القاتلة كان يحلم خلالها بالعودة إلى بناء هذا الوطن بطراز خاص، وبعودته هذه أعطى أملا كبيرا للمثقفين العراقيين المغتربين كلهم في أرجاء المعمورة كافة، بأن موعد العودة بات قريبا جدا، ولكن هيهات في زمن أُستبيح فيه الدم والفكر العراقيين معا.

كان شياع يرفض استخدام حماية خاصة له، فكان يسير في شوارع معشوقته بغداد من دون تلك الحماية التي تلتف حول المسؤولين في البلاد، وكان يقول باستمرارإنه ليس بحاجة لها لأن ليس له أعداء.

إنه كامل شياع النزيه بكل معنى الكلمة إنسانيا وثقافيا، وإذا كان هناك من ينظر إليه بحقد فسينظر إليه لما يمثله من رمز، وحسب علمي ليس له عداوة شخصية إلا ربما تلك التي تستهدفه كمركز وموقع ونهج بالعمل لا أكثر من ذلك.

تمتع شياع بشخصية ديناميكية مكّنته من استقطاب المثقفين العراقيين بمستوياتهم كافة. وتجمع غالبية مثقفي العراق حوله أثناء انعقاد مؤتمرهم الأول في أبريل 2005، مما جعل العلاقات اليومية والفكرية والثقافية متينة بينهم وبينه. واستطاع أن يكون حلقة الوصل بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج ومثقفي القوميات ليس انطلاقا من مركزه، بل باعتباره مثقفا عضويا.

قرر أن يتحدى الظروف والتحولات كلها التي يمر بها العراق، ولم يكن الوحيد من المثقفين العراقيين الذين كانوا في الخارج وعادوا إلى بغداد، واستمر يعمل فيها رغم ظروف العنف. كان يعمل في بناية وزارة الثقافة في شارع حيفا في عام 2006، وهو من الشوارع التي شهدت عنفا رهيبا، واستمر يعمل هناك.

وفي آخر مكالمة أجريتها معه قبل شهر تقريبا قال لي فيها «البقاء في العراق أمر محسوم بالنسبة لي، فلابد أن نسير مع التاريخ الذي يتحرك في العراق، ويجب أن نبقى معه إلى النهاية حتى يتعافى ويقف على قدميه من جديد». بهذه الكلمات أنهى مكالمته، لكنه لم يفكر أبدا أن الرصاصة كانت أقرب إليه.

ربما كان مستهدفا كونه رجل دولة كمستشار، أو أنه عضو في الحزب الشيوعي، أو ربما لأنه من أصول شيعية، أو كونه شيعيا وأصبح شيوعيا، ولكن يبقى السؤال المحير: ما هي الجهة القاتلة؟!

هناك جهات لا تحصى تعمل على القتل في العراق، الجميع ضحايا تلك الجهات، فكل شيء جائز فيه، لذا جاءت هذه الحادثة لتكون كسرا للمثقفين العراقيين في الخارج كلهم، وليس لكامل شياع وحده الذي كان يمثل الأمل.

كان العالم بأكمله متاحاً أمام كامل شياع، لكنه أصر على العودة إلى العراق وأصر أن يعمل في مجاله الثقافي، في أصعب ظروف الاقتتال والاحتراب الطائفي المتمثل بشبه الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 2006 و2007 وأصر أن يبقى في العراق.

خسرنا اليوم مواطنا عراقيا من الدرجة الأولى، ومثقفا عراقيا من الطراز الأول، ومحبا للعراق من الدرجة الأولى.فاغتياله جزء مما أسماه بـ«عبث العنف في العراق».

هناك استغراب كبير لقتل هذا الرجل كونه لم يسكن المنطقة الخضراء، بل بقي يسكن في مناطق متعددة خارجها، وآخرها في منطقة الكرادة وسط بغداد، لذا ربما جاء هذا الاغتيال كجزء من العبث الذي حكم المشهد العراقي منذ عام 2003 الى حد الآن، ولا يمكن بالتالي أن يقع في خانة «تصفيات» سياسية.

الأكيد هو أن كامل شياع عبدالله المستشار الثقافي في وزارة الثقافة العراقية اغتيل على يد قوى ظلامية وليست قوى مجهولة، قوى ظلامية معروفة يجب أن تحددها الحكومة ويجب أن تلاحقها. والعراقيون يرفضون أن تقيد القضية ضد مجهول مثلما حدث للكثير من الذين استشهدوا وقتلوا بالطريقة نفسها... فهذه جريمة ضد الثقافة العراقية، وضد وحدة الشعب العراقي، وضد الوحدة الوطنية.

* كاتبة وإعلامية عراقية