انتخابات الرئاسة الأميركية وطريق الخداع!
كشف ثقافة الخداع من جانب بعض من روّج لها، يعكس الانهيار الأخلاقي للإدارة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الرئيس بوش يختار مساعديه من الدائرة الضيقة ومن الموالين له شخصياً، كما أنه في الوقت نفسه يعكس حجم الأخطاء الجسيمة لسياساته، التي لم يعد السكوت عنها ممكناً حتى في الأوساط المقرّبة منه.بعد صدور كتاب سكوت ماكليلان «ماذا حدث... أسرار من داخل البيت الأبيض في عهد الرئيس بوش وثقافة الخداع في واشنطن»، استعاد كثيرون الهواجس والظنون التي صاحبت فترة تولّي الرئيس الأميركي مهامه في البيت الأبيض، التي توشك على الانتهاء بعد مرور دورتين انتخابيتين (8 سنوات)، لاسيما أن الكاتب هو الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض خلال الفترة من عام 2003 حتى عام 2006.
شهدت هذه الفترة الحرب على العراق واحتلاله من دون ترخيص دولي، رغم أن واشنطن قادت تحالفاً دولياً وسعت بعد الاحتلال فعلياً الى الحصول على قرار دولي لشرعنة الاحتلال، حيث صدر القرار 1483 بعد أن عجزت واشنطن عن الحصول على تفويض من الأمم المتحدة قبل الحرب، لاسيما بعد صدور القرار 1441 عام 2002 الذي إن كان قد أمهل العراق، لكن من الناحية الفعلية كان مقدمة للحرب، التي عارضتها دول كثيرة من حلفاء الولايات المتحدة أو لم تشارك فيها، كما هي ألمانيا وفرنسا وكندا وبلجيكا وغيرها.وقد سعى ماكليلان الى أن يغسل يديه مما جرى في العراق، فوجّه انتقاداته الى إدارة الرئيس بوش، الأمر الذي اعتبره بعضهم خيانة صريحة للمسؤولية، بل ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك حين اعتبر الكاتب مصاباً باضطراب عقلي في رد فعل قوي من جانب الإدارة.وحسب المعلومات التي رافقت صدور الكتاب، فإن ماكليلان البالغ من العمر 40 عاماً، كان قد عمل بإخلاص مع رئيسه وفي فريق حاكم لولاية فلوريدا السابق، لم يظهر عليه أي تذمر، كما لم يبدِ أي نقد تجاه إدارة الرئيس جورج بوش، لاسيما أنها تعرضت لانتقادات حادة منذ عام 2003. عرض ماكليلان بعض الحقائق التي أصبحت معروفة منها: أن الحرب على العراق كانت بعيدة عن الحقيقة، لاسيما بشأن أسلحة الدمار الشامل التي زعمت واشنطن أن العراق يمتلكها، وكذلك العلاقة مع تنظيم القاعدة والإرهاب الدولي حيث يتم نفيها لاحقاً.وإذا كانت هذه الحقائق معروفة فإن كشف ثقافة الخداع من جانب بعض من روّج لها، يعكس الانهيار الأخلاقي للإدارة، خصوصاً إذا ما عرفنا أن الرئيس بوش يختار مساعديه من الدائرة الضيقة ومن الموالين له شخصياً، كما أنه في الوقت نفسه يعكس حجم الأخطاء الجسيمة لسياساته، التي لم يعد السكوت عنها ممكناً حتى في الأوساط المقرّبة منه، وهو ما عكسه عدد الاستقالات التي قام بها كبار مساعديه.لعل القارئ يستذكر كتاب والد ماكليلان المحامي المشهور بار ماكليلان في ولاية تكساس الذي كتب: كيف اغتال الرئيس جونسون، الرئيس كيندي، وذلك تحت عنوان «الدم والمال والسلطة». وقد برر ماكليلان بقاءه في خدمة إدارة الرئيس بوش هذه الفترة كلها وسكوته عن الأخطاء الكبيرة، بأنه كان يؤمن به، وهو واثق من نزاهته وسلامة مواقفه وصحة أحكامه، لكن هذه الآمال سقطت إلى الحضيض، على حد تعبيره!إن صدور كتاب ماكليلان في هذا الوقت بالذات كان له تأثير سلبي على المرشح الجمهوري ماكين، لاسيما بعد وصول شعبية الرئيس بوش إلى مستوى متدن جداً لم يحصل أن وصل اليها رئيس للولايات المتحدة، الأمر الذي كان من رأي 54 من أعضاء الكونغرس أنه بحاجة إلى مساءلة وعزل، لكنه بسبب تخوّفهم من مجيء نائبه ديك تشيني الصقر الأكثر شراسة والعراب الرئيسي لسياسة الرئيس بوش، لاسيما الحرب على العراق، يمنعهم من التقدم بطلب عزل الرئيس بوش خصوصا بعد افتضاح سياسة الخداع وأساليب المراوغة التي اتبعها والمغامرات التي قادها والتي عرّضت سمعة الولايات المتحدة إلى الكثير من الاهتزاز.وإذا كان ماكين قد حاول الظهور بعدم الحماسة لسياسة بوش بشأن العراق وإيران بقوله: إن كل شيء تم بشكل صحيح، لكنه كان سيفعل العديد من الأمور على نحو مختلف، فإن كتاب ماكليلان: «ثقافة الخداع» قد يدفع المرشح الجمهوري ماكين الى تغيير بعض أطروحاته، خصوصا على صعيد السياسة الخارجية وفي مواجهة منافسه الديمقراطي أوباما.*كاتب ومفكر عربي