أميركا اللاتينية ومحور مناهضة شافيز

نشر في 18-07-2008
آخر تحديث 18-07-2008 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت كان إنقاذ إنغريد بيتانكورت وأربعة عشر آخرين من الرهائن الذين ظلوا محتجزين لأعوام بواسطة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا (FARC) بمنزلة نقطة تحول كبرى في حرب كولومبيا الطويلة ضد عصاباتها الماركسية المسلحة التي تقوم على تجارة المخدرات، كما يؤكد ذلك بروز مجموعة ثلاثية جديدة من زعماء أميركا اللاتينية- الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي، والبرازيلي لويز إناسيو لولا دا سيلفا، والمكسيكي فيليبي كالديرون- العازمين على القضاء على أباطرة المخدرات والحركات العصابية المسببة لزعزعة الاستقرار في أميركا اللاتينية، فضلاً عن عزل زعيم الدهماء مُـحدِث النعمة، الرئيس الفنزويلي هيوغو شافيز.

لقد تأكدت مكانة أوريبي كواحد من زعماء أميركا اللاتينية التاريخيين حتى قبل إنقاذ بيتانكورت والرهائن الآخرين، لقد فاز أوريبي بإعادة انتخابه بأغلبية مطلقة غير مسبوقة منذ عامين وفي الجولة الأولى من التصويت. إلا أن إصرار أوريبي على عدم التفاوض مع القوات المسلحة الثورية في كولومبيا بشأن المختطفين، وملاحقته بكل عزيمة للتمرد المسلح الذي قتل والده، يشكلان علامتين فارقتين في رئاسته. فقد نجح بذلك في تبديل حال الدولة التي كانت واقعة في قبضة بارونات المخدرات والتي كانت على شفا التحول إلى دولة فاشلة.

إن احترافية القوات المسلحة الكولومبية، مقترنة بشعبية أوريبي واقتصاد كولومبيا الذي شهد نمواً مستمراً أثناء ولايته، نجحت لأول مرة منذ ثلاثة عقود في إعادة الحالة الطبيعية الى المدن الكولومبية، والسلام وحكم القانون للقدر الأعظم من مناطق الغابات الشاسعة. كانت صرامة أوريبي سبباً في موجات من الارتداد عن القوات الثورية المسلحة في كولومبيا، التي أصبح تعدادها الآن تسعة آلاف مقاتل بعد أن بلغت ستة عشر ألفاً في عام 2001. والحقيقة أن العديد من المرتدين عن القوات الثورية المسلحة في كولومبيا يفضلون الآن النضال في سبيل قضيتهم بواسطة صناديق الاقتراع تحت لواء حزب «بولو الديمقراطي» البديل اليساري الجديد.

بيد أن الفوائد المترتبة على الهزيمة الواضحة التي ألحقها أوريبي بالقوات المسلحة الثورية في كولومبيا تمتد إلى ما هو أبعد من كولومبيا. كما كانت مهمة إنقاذ الرهائن سبباً في إرغام شافيز، الذي لم يشف بعد من فشل استفتائه في العام الماضي (وهي اللحظة التي رفضت فيها حتى القيادات العليا في جيشه طلبه بتلفيق النتائج)، على اتخاذ موقف دفاعي. ويبدو أن محور أوريبي-لولا-كالديرون عازم على إبقائه في ذلك الموقف.

إن شافيز هو الخاسر ليس فقط لأنه ظل يزود القوات المسلحة الثورية في كولومبيا بالدعم المعنوي (حيث وصفهم بالمحاربين وليسوا الإرهابيين، ووصف أوريبي علناً بالجاسوس الأميركي)، بل وأيضاً لأنه من المعتقد أنه كان يزود القوات الثورية المسلحة الكولومبية بدعم عسكري سري، ويبدو أن هذا النوع من الدعم يشكل جزءاً من ثورة شافيز الاشتراكية «البوليفارية»، التي استغلت أموال النفط الفنزويلية لتمويل الحكومات اليسارية في الإكوادور، وبوليفيا، وكوبا على أمل تأسيس تحالف إقليمي مناهض لأميركا. أثناء الأعوام الثلاثة الأخيرة كان هناك من الأسباب الوجيهة ما جعلنا نعتقد أن أميركا اللاتينية تشهد فترة معتادة من فترات زعزعة الاستقرار التي يحدثها اليسار، نظراً الى ظهور الرئيس البوليفي إيفو موراليس، والاكوادوري رافييل كوريا، وزعيم الفتنة شافيز. بيد أن الزيادة العالمية الحالية في أسعار السلع الخام كانت تعني أن مصادر النفوذ الإقليمي التقليدية في تشيلي، والبرازيل، والمكسيك تشهد أيضاً ازدهاراً اقتصادياً واضحاً. وبهذا بات من السهل على لولا بصورة خاصة أن يواجه حلفاءه الاشتراكيين، وأن يباعد بينه وبين شافيز، بعد أن كان حتى مارس 2008 يؤيد شافيز في أعقاب الغارة الوجيزة التي شنتها كولومبيا داخل أراضي الاكوادور وقتلت زعيم القوات الثورية المسلحة في كولومبيا، راؤول رييز. كما حظي الخط المتشدد العنيد الذي اتبعه كالديرون في التعامل مع تجار المخدرات في المكسيك، والهجوم الصارم الذي سار على هدي السابقة التي أسسها أوريبي في التعامل مع القوات الثورية المسلحة في كولومبيا، بقدر عظيم من العون بسبب النمو الاقتصادي الذي أخرس صوت المعارضة الداخلية.

لقد بات محور أوريبي-لولا-كالديرون يشكل نفوذاً جغرافياً استراتيجياً لأن الأمور بدأت في التغيير في كوبا منذ سلَّم فيدل كاسترو الرئاسة رسمياً لأخيه راؤول، وأصبحت أميركا اللاتينية مهووسة بهذا التحول، ويبدو أن أوريبي وكالديرون ولولا عازمون على عدم ترك الزمام لشافيز. في يناير الماضي زار لولا الجزيرة وبصحبته مجموعة من كبار رجال الأعمال البرازيليين، فوقع على اتفاقيات تجارية واستثمارية بلغت قيمتها مليار دولار أميركي. أما كالديرون الذي ناقض سياسة سلفه في التحدث علناً ضد عدم احترام حقوق الإنسان في كوبا، فكان حريصاً على استعادة الروابط الوثيقة التقليدية بين المكسيك وكوبا. وفي وقت سابق من هذا العام وافق وزير خارجية المكسيك على إعادة جدولة الدين الذي بلغ 400 مليون دولار أميركي والذي تخلفت كوبا عن سداده. كما ازدادت عمليات التبادل الثقافي، ومن المتوقع أن يزور كالديرون كوبا قريباً.

إن هذا التقارب مع كوبا يمزج بين تحقيق المصلحة الشخصية وبين حسابات أخرى. ففي كل مكان من أميركا اللاتينية تشكل كوبا قضية سياسية داخلية، ويزعم بعض المعلقين أن أوريبي وكالديرون ولولا يأملون إصلاح العلاقات مع كوبا في تهدئة معارضيهم من جناح اليسار. فضلاً عن ذلك فإن عدم الاستقرار في كوبا قد يفرض تهديدات أمنية داخلية بالنسبة الى كل من أوريبي وكالديرون.

وترى البرازيل والمكسيك فرصاً تجارية في الجزيرة، وبصورة خاصة بعد أن جعل راؤول كاسترو الجزيرة أكثر انفتاحاً على الاستثمار الأجنبي. ولكن ربما يمتنع كل من الزعماء الثلاثة عن التصريح علناً بالسبب الأكثر أهمية وراء تحسين العلاقات مع كوبا: فهم ينظرون إلى العلاقات الأوثق معها باعتبارها وسيلة لموازنة نفوذ شافيز، الذي حل في محل الاتحاد السوفييتي كممول رئيسي لكوبا. إلا أن أوريبي وكالديرون ولولا، على عكس شافيز تابع فيدل المتملق، يساندون بهدوء عملية التحرر السياسي في كوبا، ويعتقدون أن راؤول كاسترو يشعر هو أيضاً بالقلق إزاء اعتماد كوبا على فنزويلا، والصين. ويقبل بعض المسؤولين في إدارة بوش هذه الحجة، بل ويعربون عن سعادتهم وهم يرون الأنظمة الديمقراطية في أميركا اللاتينية تسعى إلى فرض نفوذها، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة أن تمد نفوذها. ويبدو أن أميركا اللاتينية لم تعد أسيرة الدهماء والعصابات.

 

* تشارلز تانوك | Charles Tannock ، منسق الشؤون الخارجية لتكتل المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين في البرلمان الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top