أزمة هوية أم أزمة أخلاق؟ (2)
كتبت الجزء الثاني من هذه المقالة والذي يستكمل تحليل جذور الأزمة بالتركيز على جانب الأخلاق. ولكن في جلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء الماضي ظهر مثال حي على الأزمة بوجهيها الهوية والأخلاق فرض نفسه على هذه المقالة! أحد النواب باعتناقه للسلفية جسَّد أحد طرفي أزمة الهوية، وبوصوله إلى المجلس عبر الانتخابات الفرعية وإصراره على إلغاء تجريمها جسَّد الأزمة الأخلاقية التي تعانيها الأمة.
للفكر السلفي بطبيعته حنين رومانسي للماضي السحيق، بعيدا عن حقيقة ذاك الماضي وأبعد عن واقع الحاضر الذي نعيشه. فهو ومَن سار على دربه لا يمكنهم التوفيق بين الصورة التي رسموها في عقولهم للسلف الصالح وما «يجب أن تكون عليه الأمور» واحتياجات الواقع واكتشافات العلم وتطور العالم. لذا فمن الطبيعي جدا أن نراه الأكثر تحمسا للجنة الدخيلة وما تحاول تحقيقه بالضغط والترهيب لقتل كل ما هو مختلف عن الصورة «الجميلة» في خياله أو البيئة التي نشأ فيها دون أي اكتراث أو تقدير لقيم أو طموحات الآخرين. فكل ما هو غير سلفي «دخيل» بالنهاية وبذلك نمسح كل ما تغير عبر القرون بين زمن السلف وزمننا. هذه هوية غير صحية بسبب التقييم غير الصحيح للماضي وغير المنطقي للواقع. أضف إلى ذلك الأزمة التي تخلقها محاولة التوفيق بين الهوية الإسلامية والهوية القبلية التي هي تجسيد لأول ما حاربه الإسلام نظريا وعمليا. وقد يكون هنالك شيء من الأمل لو اقتصر الأمر على أزمة الهوية. فقد يكون الإنسان بلا هوية واضحة ولكن على الأقل يملك الحد الأدنى من القيم الأخلاقية. ولكن- وهذا نتاج طبيعي للجمع بين السلفية والقبلية والسياسة- فحتى في ميزان الأخلاق العامة يشكل النائب الفاضل إخفاقا آخر.فعندما عُرضت صور الفرعيات احتج النائب المحترم واعتبر ذلك «مساسا بالقبيلة»! فلم يهتم بالاعتداء على رجال الأمن ولا بخرق القانون ولم يرَ الدمار والتكسير ولا اكترث- لا سمح الله- بالدستور والقيم الإسلامية القائمة على رفض القبلية واعتبار الفزعة لها «حمية الجاهلية». واستمر هو وأحد زملائه بالمطالبة بإلغاء قانون تجريم الفرعيات «فنحن لسنا بإسرائيل حتى يتم الهجوم على المواطنين بالقنابل المسيلة للدموع»!هذا مثال صارخ على ضياع المعايير والاستعداد لعمل أي شيء لتجنب العواقب و/ أو تجنب انفصام الهوية. ولكنه يمثل تمثيلا واقعيا أزمة الهوية التي يعيشها هؤلاء الذين يرفضون التأقلم مع الحضارة والعلم. ويعرض بشكل مباشر أزمة الأخلاق لمن يسمح لمبادئه أن تتلون حسب «ظروفه» واحتياجاته.