لاشك أن سياسة الرئيس بوش والجمهوريين خلال السنوات الثماني كانت هي الأسوأ، لا سيما بخصوص المسألة الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي، حيث أدخلت الولايات المتحدة في نفق مظلم زاد منه قتامة المشهد السياسي، خصوصاً بعد احتلال العراق.
ولهذا استبشر الكثير من العرب بالهزيمة التي مني بها الجمهوريون، وعبّروا عن ارتياحهم للفوز الساحق الذي حققه الديمقراطيون بفوز باراك أوباما، وهو أول رئيس أسود يدخل البيت الأبيض، ويأتي نجاحه بعد فترة قاسية بالنسبة للعرب والفلسطينيين، حيث زادت من صورة الولايات المتحدة سلبية وتدهوراً في العالم العربي، فإضافة إلى احتلال العراق العام 2003، فقد بررت واشنطن لإسرائيل عدوانها على لبنان العام 2006 معتبرة ذلك ولادة جديدة للشرق الأوسط، على حد تعبير وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونداليزا رايس خلال العدوان، وحاولت واشنطن ثني مجلس الأمن الدولي من إصدار أي قرار يدعو إلى وقف القتال، ناهيكم عن إدانة إسرائيل، متنصلة عن موقعها الدولي باعتبارها عضوا في مجلس الأمن الدولي الدائم، إضافة إلى كونها معنية بشكل خاص بالملف العربي-الإسرائيلي.وقد وصلت القضية الفلسطينية في فترة رئاسة بوش إلى طريق مغلق بسبب التعنت الإسرائيلي والعنف والإرهاب الذي مارسته إسرائيل خلال الفترة المنصرمة، خصوصاً بعد تعثر اتفاقيات أوسلو، ومسار خارطة الطريق الفلسطينية-الإسرائيلية، وبالأخص الآفاق المضببة التي واجهتها قبل نهاية العام 1999 حتى الآن، بما فيها بعد ذلك بناء جدار الفصل العنصري وتقطيع أوصال الأرض الفلسطينية ومحاصرة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وتطبيق عقوبات اقتصادية مشددة ضد قطاع غزة خلافاً للشرعية الدولية ولمبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني. لعل بعض العرب يتوقعون أن يقدّم الرئيس الجديد شيئاً جديداً مختلفاً عن إدارة بوش، وهو وإن كان ممكناً، إلاّ أنه ينبغي أن نأخذ بنظر الاعتبار ثبات أهداف السياسة الأميركية في الشرق الأوسط مع تغيير الرؤساء، إضافة إلى تغلغل النفوذ الصهيوني واللوبي المساند لإسرائيل مالياً واقتصادياً وإعلامياً وحكومياً، لكن الأمر يحتاج إلى جهود ومثابرة ونضال على مختلف الجبهات وبجميع الأسلحة، وذلك ما ينبغي على العرب أن يأخذوه بالحسبان عند التصدي والمعالجة للقضية الفلسطينية وللصراع العربي-الإسرائيلي، سواء من خلال تفعيل المبادرة العربية لعام 2001 أو ما بعدها، باتجاه حل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية على أساس حق تقرير المصير، وإن كان لا يلبّي كامل طموحات الشعب العربي الفلسطيني.وإذا كانت الأزمة المالية التي تحوّلت إلى أزمة اقتصادية طاحنة لم يشهد لها العالم مثيلاً بعد الكساد العالمي والانكماش الاقتصادي للفترة -1929 1933، فإن الأولويات ستتجه بلا أدنى شك لمعالجة هذه الأزمة، بما فيها النفقات الباهظة للحربين المفتوحتين منذ عام 2002 و2003 وأعني بذلك الحرب في أفغانستان والحرب في العراق.لكن الرئيس المنتخب أوباما الذي كان قد أبدى اهتماماً خاصاً بالشرق الأوسط، عشية انتخابه بما في ذلك زيارة فلسطين ولقاء الرئيس محمود عباس، ليس بوسعه التقدم بتحركات واسعة ونشيطة على هذا الصعيد، إن لم يتبين هناك رغبة شديدة وقدرة على التأثير لفتح هذا الملف المعقد، الذي كان منذ عهد كلينتون قد توقف عند تأييد قيام دولة فلسطينية، لاسيما في أشهره الأخيرة، لكنه لم يمضِ قدماً، حيث بهتت الدعوة وبردت همّة الداعين إليها في ظل تصاعد الإرهاب الإسرائيلي، فازدادت الصورة سوءًا وقتامة، خصوصاً بعد قمع الانتفاضة السلمية الفلسطينية منذ 28 سبتمبر 2000 حتى الآن، وقد تدهور الأمر على نحو مريع بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية-الإجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة والتي استغلتها إسرائيل أبشع استغلال، فشنّت حملات متتالية لقمع الفلسطينيين وملاحقتهم واتهامهم بالإرهاب.كيف للرئيس أوباما أن يبدأ سياسة نشطة في الشرق الأوسط، بعد أن راوحت الولايات المتحدة في مكانها طيلة السنوات الثماني، هل بتعيين رام بنيامين مانوئيل كبيراً لموظفي البيت الأبيض (الأمين العام )!؟ وهو من أصل يهودي (إسرائيلي)، وأدّى الخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي عام 1997، كما تطوّع في مكتب تجنيد تابع للجيش الإسرائيلي في فترة سبقت حرب الخليج الأولى ضد العراق عام 1991.جدير بالذكر أن بنيامين والد رام مانوئيل كان عضواً في منظمة الآرغون السرية الصهيونية، التي مارست أعمالاً إرهابية في فلسطين منذ عام 1931 لغاية العام 1948، أي حتى قيام إسرائيل في 15 مايو 1948، وقد هاجر هو وأسرته إلى شيكاغو في الستينيات، كان قد صرح بعد تعيين ولده مانوئيل بأن اختيار ابنه سيكون عاملاً مساعداً للتأثير على الرئيس أوباما ليكون صديقاً لإسرائيل، ولم يكن هو عكس ذلك، لكن والد مانوئيل يريده أكثر صداقة وحميمية مع إسرائيل، وهذا يعني فيما يعنيه إدارة الظهر عن العرب والفلسطينيين، والتخلي عن دور الرعاية أو الضامن لاتفاق خارطة الطريق، أو وضعها ومعها فكرة الدولة الفلسطينية في الأدراج، ولعل ذلك سعي ثابت من جانب إسرائيل مع جميع الرؤساء الأميركيين، جمهوريين كانوا أم ديمقراطيين!!؟ فهل ستفلح إسرائيل في ذلك أم أن الأمر سيكلّف واشنطن خسائر جديدة فادحة، وهي الخسائر التي كانت سبباً في تدهور شعبية الرئيس بوش وحزبه الجمهوري؟!إذا أراد الرئيس أوباما أن يعيد جزءًا من « صدقية» الولايات المتحدة لاسيما في الشرق الأوسط، تلك التي نزلت إلى الحضيض، فما عليه إلاّ اتخاذ سياسة نشيطة ومتوازنة بحيث تضغط على حليفتها إسرائيل لتنفيذ مقررات الشرعية الدولية. ولعل التخلص من هيمنة «الصقور» الذين مسكوا بمقاليد البيت الأبيض طيلة ثماني سنوات وسياسات التصعيد التي عرفتها واشنطن منذ أحداث 11 سبتمبر، يقتضي الإتيان ببعض الشخصيات المعتدلة والمتوازنة وقد لقيت بعض الأوساط العربية المطلعة أن ترشيح وزير خارجية جديد للولايات المتحدة هو شاك هيغل كما تردد سيعكس رغبة جدية من جانب واشنطن لانتهاج سياسة فاعلة، خصوصاً وأنه من الشخصيات المتوازنة التي زارت فلسطين والتقت مع الرئيس الفلسطيني بمرافقة أوباما خلال فترة الترشيح للانتخابات. وبالمقابل فإن وصول عدد من اليهود الأميركيين إلى البيت الأبيض بصفتهم مستشارين مقربين مثل كبير المخططين الاستراتيجيين لحملته الانتخابية الذي يدعى ديفيد آكسل رود، ومستشاره لشؤون السياسة الخارجية دنيس روس، المنسق لعملية السلام في الشرق الأوسط والمدير السابق لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، يجعل الأفق غائما ويزيد من احتمالات استمرار الحال على ما هي عليه، وهذا سيعني فيما يعنيه فشلا في واحد من الملفات المهمة والساخنة التي ستلقي بظلالها على العرب والفلسطينيين!!* باحث ومفكر عربي
مقالات
أوباما الشرق أوسطي!!
21-11-2008