المفترض أن مشكلة حجاج غزة بتشعباتها وتداخلاتها قد أوضحت لمَن لا يعرف فعلاً وأيضاً لمَن لا يريد أن يعرف أن ما بين الأطراف الفلسطينية المتناحرة ليس الاختلاف على «الثوابت» ولا على وسائل وأساليب التحرير وإنما «السُّلطة» و«الحكم»، فكل ما عدا هذا هو «تزويقات» سياسية بعيدة عن الحقيقة بُعد الأرض عن السماء، وهو من قبيل ذرِّ الرماد في عيون البسطاء والطيبين الذين يصدقون كل ما يسمعونه وينطلي عليهم كل ما يرونه.

Ad

إن المشكلة في حقيقتها لا تكمن لا في الموقف السعودي ولا في الموقف المصري، إنها تكمن في أن مستجدات الحالة الفلسطينية، منذ انقلاب غزة في الرابع عشر من حزيران «يونيو» الماضي، قد أوجدت سلطة جديدة الى جانب السلطة الوطنية ودولة أخرى الى جانب الدولة الفلسطينية لا تعترف أيٌّ منهما بالأخرى وتدعي كل واحدة بأن الشرعية الى جانبها وأنها هي الأوسع والأصدق تمثيلاً للشعب الفلسطيني.

وبالطبع واستناداً الى اعتراف العرب كلهم بمنظمة التحرير وبالدولة الفلسطينية وبالسلطة الوطنية فقد توجهت الجهات السعودية المعنية، وكالعادة الى رام الله بالنسبة لـ«تصاريح» الحجاج الفلسطينيين الذين هم من أهل الضفة الغربية والذين من هم أهل غزة، وهذا أثار غضب السلطة الأخرى التي تسعى إلى انتزاع الاعتراف العربي وغير العربي بها انتزاعاً وجعلها تمنع كل الذين حصلوا على مثل هذه التصاريح من وزارة أوقاف حكومة سلام فياض، التي لا تعترف بها وتعتبرها غير شرعية، وتمنعهم من المغادرة لأداء فريضة الحج عبر معبر رفح الذي تسيطر عليه مصر من جهتها على الحدود المصرية- الفلسطينية.

وبالطبع أيضاً فإنه غير ممكن أن تفتح مصر حدودها لمغادرين الى الديار الحجازية لم يحصلوا على «تصاريح» الحج مسبقاً فهذه مسؤولية ليست سهلة والحكومة المصرية لا يمكن ان تشارك في أي عمل يحرج المملكة العربية السعودية ويضعها أمام خيار صعب على حساب خيار اعترافها منذ أكثر من ثلاثين عاماً بالسلطة الوطنية وبمنظمة التحرير وبهذه الدولة الفلسطينية «المعنوية» التي لم تقم على أرض الواقع بعد.

لا تستطيع أي دولة عربية أمام التزامها بالاعتراف بمنظمة التحرير وبالسلطة الوطنية وبالدولة الفلسطينية وعلى حساب حرصها على عدم تفتيت الوضع الفلسطيني وخصوصا في هذه الفترة الخطيرة والحرجة أن تضع هذا الالتزام على مسافة واحدة بين المنظمة والسلطة والدولة من جهة وبين أي تنظيم حزبي من جهة أخرى، والمؤكد أن هذا هو الذي جعل المملكة العربية السعودية تتوجه بالنسبة لـ«تصاريح» الحج الى رام الله وليس الى غزة.

إن اتخاذ وضعية الوقوف على مسافة واحدة بين رام الله وغزة سيفتح، بالإضافة الى مساهمته في المزيد من تفتيت الوضع الفلسطيني، أبواباً مغلقة فهناك دول عربية تعاني بعض ما تعانيه الحالة الفلسطينية، والمعروف ان أي خطوة متهورة في هذا المجال سوف تؤدي الى اضطرابات كثيرة لا هذا الوقت وقتها ولا العرب بأوضاعهم الراهنة قادرون على تحمل تبعاتها الخطيرة.

لا أسوأ من أن تصل الحالة الفلسطينية الى ما وصلت إليه فالاختلاف السياسي داخل البيت الواحد من الممكن ان يكون مقبولاً، وربما يكون مطلوباً في بعض الأحيان، أما أن تؤدي شهوة السلطة والحكم الى هذا الانقسام الجغرافي، بالإضافة الى الانقسام السلطوي والإداري فإن هذا أقل ما يمكن أن يقال فيه هو أنه جريمة بحق شعب قدم تضحيات كبيرة غير جائز أن يتم اغتيالها على هذا النحو وبهذه الطريقة.

* كاتب وسياسي أردني