نعم استبشروا بالقوارير خيراً... ولكن!
يبدو أن الفرحة العارمة بوصول النساء إلى البرلمان والنشوة المتصاعدة بهذا الحدث الباهر على كل الصعد قد أدت بالأغلب، إن لم يكن بالجميع، إلى حالة مفرطة جداً من التفاؤل، فهرعوا إلى سحب الاستنتاجات التي تم تحويلها إلى شعارات ومانشيتات تكاد لا تقبل النقض!
إن القراءة الخاطئة لأي مشهد ستقود غالبا إلى افتراضات واستنتاجات خاطئة، وهذه ستقود حتماً إلى إجراءات خاطئة، والأخطر أن المرء عندما يسير في هذا الدرب ويفاجأ بوصوله إلى نتيجة مغايرة تماماً لما تصوره من البداية، سيصاب بخيبة أمل وربما صدمة قد توصله إلى اليأس المطلق!صحيح أني متفائل بوصول أربع نساء إلى البرلمان، وأرى أنهن لو عملن بشكل جماعي منظم مبني على قدراتهن الأكاديمية قد يستطعن أن يقدمن نموذجاً برلمانياً يُحتذى به، يحرج الكتل البرلمانية الأخرى عند المقارنة من ناحية الجدية وطريقة العمل والإنجاز، لكن التفاؤل عندي يتوقف عند هذا الحد فقط، ولا يتجاوزه دخولاً في عالم الأحلام!وكلامي هذا لا يأتي انقلاباً على جو التفاؤل السائد لمجرد الاختلاف والتحليق خارج السرب أو رغبة مني «للعكننة» على أمزجة خلق الله... لا والله، إنما أرفض أن يتم اختطاف العقل الجمعي بهذه التحليلات غير المنطقية وهذه الاستنتاجات غير المبنية على سند موضوعي! يا سادتي، يجب ألا نسمح للون الفاقع لمفاجأة وصول النساء إلى البرلمان أن تغشي أبصارنا وتعمينا عن رؤية بقية تفاصيل الصورة. إن نحن استثنينا جزئية نجاح المرشحات الأربع، والتي مازلت أراها تحتاج إلى دراسة متعمقة لمعرفة أسبابها سياسياً واجتماعياً ونفسياً قبل بناء افتراضات قد نكتشف لاحقاً أنها غير صحيحة، أقول إن نحن استثنينا هذا الأمر ونظرنا إلى بقية المشهد، فسنجد أننا لم نأتِ ببرلمان يختلف كثيرا عما سبق.الحقائق هي كالتالي: نسبة التصويت في هذه الانتخابات هي من أقل النسب التي مرت على تاريخنا الانتخابي، حتى في الدوائر القبلية، وهذا يعكس إحجاماً واضحاً من الناخبين وله دلالاته. كما أن مقدار التغيير في وجوه الناجحين الذي يبدو كبيراً للوهلة الأولى ليس تغييراً واقعياً في حقيقته، فالتغييرات الجمة التي طالت مخرجات الفرعيات إن نحن قمنا بتمحيصها سنجد أنه لا يمكن التعويل عليها كثيراً لإحداث الفارق السياسي المراد، كما أن التعصب القبلي والطائفي كان موجوداً، ناهيك عن أن الأسماء التي وصمت في البرلمان السابق بأنها عناصر التأزيم قد عادت بكاملها.إذن فمن الظلم البالغ أن نعلق كل هذه الآمال والطموحات البعيدة جداً لإصلاح كل الواقع السياسي المتأزم على النسوة اللواتي وصلن، أولاً لأنه لا طاقة لهن بذلك، وثانياً لأنهن إن فشلن فسيسارع نفس الذين تسرعوا في الاستنتاجات اليوم وأفرطوا في التفاؤل إلى تغيير رأيهم والقول إنه لا فائدة من وصول المرأة إلى البرلمان!العبارات الغريبة التي تتردد بأن الشعب قد قال كلمته وأتى بمجلس قوي وأنه أعلن أنه لا يريد القبلية والطائفية ولا الأحزاب، هو كلام مبالغ فيه إلى حد كبير، والأغرب أنها صدرت من شخصيات كنت أفترض أن لديها مناعة من الإصابة بحالة «اليوفوريا» التي أصابت الجميع.مع ذلك، وإن كنت قلت ما قلت، فلن ألوم أحداً، فالناس تريد أن تتعلق ولو «بقشة» تخرجها من أزمة البلاد الضاربة. أما ما أتعلق به أنا هو أن تأتي، ولا أدري كيف، حكومة قوية جادة... حكومة ووزراء مقاتلون.. لا حكومة ترضيات ومحاصصة... حكومة قادرة على وضع الأزمات والمؤزمين في الزاوية وعصرهم في معصرة الدستور والقانون والانطلاق نحو الإنجازات الحقيقية!