الرسالة الموسيقية
أي رسالة يُمكن أن تضعف الفن أو تغنيه؟ حين تكون باتجاه الإنسان، لا الفكرة، بالتأكيد.
في إصداريْ DVD موسيقيين، تأملت مسعى الموسيقى بهذا الاتجاه النبيل، الأول صدر عن OpusArts، يضم أوبرا Doctor Atomic للموسيقي الأميركي المعاصر جون آدمز. والثاني صدر عن Warner، ويضم توثيقاً لتأسيس الأوركسترا الشرقية-الغربية التي سعى إليها إدوارد سعيد مع الموسيقي بارِمْبويم. «دكتور آتومِك» دراما غاية في العتمة، تتناول الفيزيائي الشهير روبرت أوبنهايمر، ومن معه ممن أسهم في صناعة أول قنبلة ذرية، عبر تجربتها في صحراء المكسيك الجديدة، والسعي إلى استخدامها في هيروشيما. الدراما تدور حول صراع الدولة المتعجلة للتجربة مع رجال العلم، على أن الدراما الأكثر شراسة تتم حول صراع هؤلاء العلماء مع أنفسهم، صراعاً أخلاقياً، معنوياً، وعاطفياً. حداثة النص تعتمد إخراجاً تختلط به الأزمنة والأمكنة في موسيقى لا تنفك تزداد توتراً على امتداد ساعتين ونصف الساعة، وعبر سبعة مشاهد. إن عتمة الدراما تقابلها، إذا ما اعتمدنا فكرة أرسطو عن التطهير، إضاءة ما ينطوي عليه هذا من احتجاج، واتهام، وتحذير. الموسيقى والغناء تعبيريان، شأن معظم موسيقى الدراما الحديثة، والنصوص الشعرية المُغنّاة مُنتخبة من بودلير وجون دَنْ، ولكن هذه التعبيرية ليست بعيدة عما يُسمى اليوم بـ«الرومانتيكية الجديدة»، بسبب هذه العناية الغنائية بالعواطف التي يُشحن بها الأبطال. أما الإصدار الثاني فيمس قضيتنا العربية عن قرب. ترجعُ صداقة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد والموسيقي دانيل بارِمبويم إلى مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، وقد جمعهما حبّ الموسيقى، والحقيقة التي تتطلع إليها، ثم تُوّجت بمشروعين، كان الثاني منهما وليد حوارهما في الشأن الموسيقي، والذي صدر تحت عنوان: «تماثلات وتناقضات: استطلاعات في الموسيقى والمجتمع»، عام 2003. والمشروع الأول يرجع إلى عام 1998، يوم سعى الصديقان إلى تأسيس فرقة أوركسترالية من عازفين عرب ويهود، أحد سبل التقارب المأمول بين طرفي النزاع العربي-الإسرائيلي. اتخذت الفرقة مقراً تدريبياً لها في أندلس اسبانيا، الدولة الداعمة، وفي رام الله، ولكن طموحها أن تكون رسالة موسيقية إلى العالم والعرب والفلسطينيين والإسرائيليين. هذا الشهر أصدرت دار Warner الموسيقية أسطوانتي DVD لأول عزف قامت به الفرقة في مدينة رام الله، تحت قيادة بارمبويم، قدمت الفرقة فيه للجمهور الفلسطيني الخامسة لبيتهوفن، وكونشيرتو لموتزارت، وبضعة أعمال قصيرة، مع توثيق منوع عن الفرقة، التكوين، الهدف. إلى جانب شهادات من إدوارد سعيد، بارِمبويم، نبيل شعث، مصطفى برغوثي، ثم عن حال الفلسطينيين تحت الاحتلال في جوانبه السياسية والاجتماعية والثقافية. على صورة الغلاف مشهد مؤثر لفلسطيني يحمل آلة تشيلّو على ظهره، وهو يتأمل مُفترق الجدار، بارمبويم زار الجدار أيضاً. وحين سأل: «بين من يفصل الجدار؟»، أُجيب: «بين فلسطينيين وفلسطينيين!».