لا يحق للششتاوي وسواه الغضب من رسالة نور إلى أوباما. الرسالة التي وصفت بالمشبوهة، لها تقاليدها الوطنية الراسخة، هي ابتكار عربي، لا يمكن التبرؤ منه، لمجرد تغير جهة المرسل إليه وقيمة الطوابع البريدية الملصقة على الغلاف.
وكان أيمن نور كما تعلمون، أرسل رسالة إلى المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية باراك أوباما، يشكو له شكوى الصديق للصديق! أحوال الديمقراطية من داخل سجنه، وأوضاع الحريات المنتهكة، معربا عن تأييده له في الكثير من نقاط برنامجه الانتخابي. أوباما بدوره، اهتم بالرسالة ونشرها على موقعه الانتخابي، قبل أن تدخل طي النسيان لديه مع انتهاء حملته الانتخابية. المواطن سمير الششتاوي، ثارت حميته الوطنية وتقدم ببلاغ الى النائب العام متهما إياه بمحاولة تشويه سمعة مصر والاستقواء بالخارج، إلخ إلخ إلخ. والصحف الحكومية لم تسكت بدورها عن الموضوع إذ أدلت بدلوها، في شأن وطنية نور المشكوك والمطعون بها رسميا. هذا مع العلم بأن تقليد إرسال الرسائل إلى الرؤساء -والمرشحين للرئاسة كما في حالة نور- هو مما نعرفه ونتقنه ولا نملَ منه، على الرغم من ضآلة النتائج المرجوة. المنظمات الحقوقية ترسل الرسائل إلى رؤساء دولها- أو أمرائها أو ملوكها، مناشدة التدخل للكشف عن مصير فلان أو الإفراج عن فلان. المواطنون يرسلون الرسائل، شاكين من حكم قضائي جائر في قضايا مدنية وجنائية، فردية أو جماعية، أو يشكون حيفا لحق بهم من إدارة أو مؤسسة حكومية أو حتى شخصية متنفذة. وحتى لو كانت لهم مظالم لدى دولة عربية أخرى، فهم يتوجهون بمناشداتهم بالذات إلى حاكم تلك الدولة. نواب يناشدون الرئيس في قضية دستورية، ووزراء يناشدون الأمير في قضية حكومية، وهلم جرا. لا يتعلق الأمر أبدا بالموقع الدستوري والقانوني لرئيس الجمهورية أو الأمير أو الملك، وصلاحياته للتدخل في هذه القضية أو تلك، ولو كان الأمر كذلك لما اعتبرناه ابتكارا! بل هو نابع من قلة الحيلة وانغلاق منافذ الحل جميعها القضائية والقانونية في وجه الشاكي أو الشاكين، من الغياب الكامل أو الجزئي للعدالة التي تتطلب في دولة القانون مجرد اتباع إجراءات وسبل قانونية محددة؛ ومن انعدام الأمان القانوني المعمم، والشعور اليائس بوجوب طلب النجدة وإحقاق الحق من قوة قادرة، تملك ما كان يفترض بالقانون ومؤسسات الدولة المعنية، أن تملكه وتمارسه. حتى منظمات المجتمع المدني الغربية، تلقفت هذا الأسلوب عنا، فباتت ترسل الرسائل إلى رؤسائها للتدخل لدى رؤسائنا في قضايا تمس حقوق الإنسان والحريات العامة! وخصوصا في ما يتعلق بقضايا معتقلي الرأي. مع أن معظم هؤلاء، بعد اعتقاله بشكل غير قانوني، تمت شرعنة اعتقاله شكليا، بنص قانوني وحكم محكمة مبرم. الاطلاع على صيغ تلك الرسائل، خصوصا من قبل المواطنين الذين سُدّت أبواب العدالة في وجوههم، تطلعنا إلى أي حد من عدم الثقة وصلت العلاقة بين المواطن ودستوره الحامي وقوانينه المرعية ومؤسساته المفترض فيها حمايته.تنضح تلك الرسائل بمشاعر القهر ومفردات الاستعطاف والتعبير عن اليأس من طرق أبواب أخرى، سبق أن طرقت ومازالت عصية على الفتح! وهي غالبا ما تتضمن عبارات من مثل «نلجأ من بعد الله إليكم»، «نناشد عدالتكم وإنصافكم للمقهورين والمظلومين»، «نناشدكم أن تنظروا بعين الرحمة إلى قضيتنا».هم لا يلجأون إلى هذه الوسيلة لأنها محببة إلى قلوبهم، أو لأنهم يثقون باستجابة المرسل إليه الإيجابية. بل لأنهم، في القضايا الفردية، استنفدوا الوسائل وجربوا لا فعاليتها. وفي القضايا الجماعية، لم يعلموا أو يتعلموا أو يتجرأوا على ممارسة حقهم في الاحتجاج السلمي على الضيم الذي لحق بهم، ووسائله أكثر من أن تعد وتحصى. ولأن ثقافتهم السياسية تقوم على أن الحق يجلبه صاحب القوة والقدرة لا صاحب الحق نفسه. في المحصلة، فإن تلك الرسائل جميعها تحمل شبهة ما. شبهة انعدام الثقة بين المواطن ومؤسساته العامة وإعلامه ومنظماته المدنية؛ انعدام ثقته بقدرته على التأثير والتغيير والمشاركة والمبادرة. شبهة الفساد والمحسوبية وعدم استقلال السلطة القضائية. في العوالم الطبيعية استقلال القضاء خط أحمر، وفي عوالمنا المفتقرة الى الطبيعي! يتم اللجوء إلى السلطة التنفيذية للتدخل لإلغاء أحكام قضائية جائرة!مع ذلك، لا تثير آلية إرسال الرسائل أو مضامينها الحمية الوطنية للمسؤولين الرسميين، بل لعلها تثير الغبطة في نفوسهم، وهي تثبت قلة حيلة مواطنيهم ونجاعة رفع المظلة القانونية والدستورية عن المجتمع العاري من كل حماية. أو على الأقل، رفعها جزئيا، بحيث يتلظى بعضهم بحرارة الشمس صيفا، وينال آخرون نصيبهم من البلل شتاء.صحيح، رسالة أيمن نور مختلفة قليلا في ملابساتها وظروفها، لكن هذا فقط إن نظرنا الى القضية بعين واحدة! * كاتبة سورية
مقالات
رسائل مشبوهة
22-08-2008