النائب محمد الكندري... والفنان علي المفيدي!
مشكلة وزارة الصحة الرئيسية ليست مشكلة مالية، وليست مشكلة فنية، فلا المال ينقصها، فميزانيتها من أضخم الميزانيات والدولة مستعدة لزيادتها إن طرأت الحاجة، ولا تنقصها القدرات الفنية، فأطباء الكويت من الأكثر تميزاً بشهادة الجامعات العالمية. مشكلة وزارة الصحة مشكلة إدارية بحتة صافية لا تشوبها شائبة.
يبدو أن الأسئلة الأحد عشر سؤالاً التي ألقاها النائب الطبيب محمد الكندري على معالي وزير الصحة علي البراك، ذكّرت بعضهم بحزمة أسئلة الفنان علي المفيدي في مسرحية «حامي الديار»، يوم سأل وزير التربية غاضبا عن كل شيء حتى عن عدد الطباشير في وزارته، لكن الحقيقة أن أسئلة الكندري وإن بدت ككثافة وعبثية أسئلة المفيدي للوهلة الأولى، إلا أنها أسئلة مستحقة لوزير الصحة الحالي، ولكل وزير حمل هذه الحقيبة طوال فترة ما بعد التحرير حتى وقتنا الحالي.أسئلة الكندري، تناولت أبعاد التدهور كلها في الملفات الصحية، ابتداء من ملف وكلاء الصحة، مروراً بملف الرحلات والمهمات (الرسمية)، وملف الأبحاث والدراسات، وملف التخبط (والفساد) المالي في المشاريع، وملف الحوادث التي وقعت في منشآت الوزارة، وملف ابتعاث الأطباء إلى الخارج، وملف خطط الطوارئ، انتهاء بملف تأخر المواعيد وزحمة المراجعين.هذه الأسئلة وإن كانت لم تترك لا شاردة ولا واردة في وزارة الصحة إلا وأتت عليها، كما لم يترك المفيدي لا طبشورة ولا سبورة في حامي الديار إلا وسأل عنها، فقد جاءت بصيغة محددة عن أشياء حاصلة، يفترض ألا يحتاج الوزير إلى كثير جهد للإجابة عنها، فكل ما عليه هو أن يطلب من طواقمه الإدارية والفنية والتي تقوم على مئات الموظفين بتلخيص ما كانوا يقومون به طوال المدة الماضية، لتكون الإجابات حاضرة. أتصور أن بيد معالي الوزير اليوم فرصة ذهبية ليتعرف وعن كثب على مواطن الخلل في وزارته، حيث سيمكن له أن يكتشف وبسهولة من خلال إجابات موظفيه المختصين عن أسئلة الكندري مدى جدية إجراءاتهم التي قاموا بها، وسيمكنه أن يعرف منها مَن يستحق أن يبقى في مكانه، ومَن يستحق أن يقذف إلى خارج منصبه غير مأسوف عليه.مشكلة وزارة الصحة الرئيسية ليست مشكلة مالية، وليست مشكلة فنية، فلا المال ينقصها، فميزانيتها من أضخم الميزانيات والدولة مستعدة لزيادتها إن طرأت الحاجة، ولا تنقصها القدرات الفنية، فأطباء الكويت من الأكثر تميزاً بشهادة الجامعات العالمية. مشكلة وزارة الصحة مشكلة إدارية بحتة صافية لا تشوبها شائبة. عشرات من مسؤولي وزارة الصحة، يقبعون في مكاتبهم منذ سنوات طويلة من دون إنتاج حقيقي، ولا إصلاح له قيمة، في حين تتزايد المشاكل وتتفاقم. تراهم غائصين في مستنقع منافعهم الشخصية وصراعاتهم البينية السطحية، في حين تنهار الخدمة الصحية على مرأى من الجميع.بكل اختصار، يحتاج الوزير البراك، إن كان يريد ذلك حقا، إلى أن يقوم بثورة تصحيحية في أروقة وزارته، تنفضها نفضا، وألا تأخذه في أحد لومة لائم. يحتاج إلى أن يتخلص من الذين مضى عليهم قابعين على كراسيهم عشرات السنين بلا فائدة، وكأنهم لا يشيخون ولا يشيبون، ولا توجد في الوزارة دماء جديدة قادرة على حل محلهم. يحتاج إلى أن يضع وكلاءه المساعدين على محك حل المشاكل العالقة خلال جدول زمني محدد واضح، أو الرحيل طوعا. يحتاج إلى أن يقرن الترقيات والمكافآت والمهام الرسمية التي تمطر على بعضهم ذهبا، بالإنجاز وتحقيق النتائج، إما هذا وإلا فلن يتغير في وزارة الصحة شيئا.كلي أمل أن يتابع النائب محمد الكندري حزمة أسئلته بجدية، وألا تكون مجرد أسئلة إنشائية إعلامية، تذهب أدراج الرياح، كما ذهبت قبلها آلاف الأسئلة التي جاء بها من سبقوه من النواب!