Ad

الفرق بين منطقنا ومنطق الغرب هو أنهم يؤمنون بأن الحق ملك للجميع، وأن أوجه الحقيقة متعددة ومختلفة. أما منطقنا فيعتمد على مقولة «من شك في كفرهم فقد كفر»!

يرى علماء الاجتماع والفلسفة على مر العصور أن الحقيقة المطلقة ما هي إلا خدعة كبرى اختلقها العقل البشري، فالنظرية النسبية، بعكس الحقيقة المطلقة، تؤمن أن المنطق الصواب في نظر البعض قد يكون خطأ في نظر البعض الآخر لأنهم يرونه بمنظارهم الخاص الذي فرضته عليهم عقيدتهم ومدرستهم وطريقة نشأتهم وبيئتهم وظروفهم الاجتماعية والنفسية. ويقول أنشتاين مؤسس النظرية النسبية: «المصيبة أن الإنسان مؤمن بأن هذه المقاييس النسبية مطلقة وخالدة ويعدها من البديهيات التي لا يجوز الشك فيها... فهو اعتاد على رؤيتها تتكرر يوماً بعد يوم، فدفعه ذلك الاعتقاد بأنها قوانين عامة تنطبق على كل جزء من أجزاء الكون، جاء هذا الاعتقاد من العادة التي اعتادها وهو يظن أنه جاء من الحقيقة ذاتها».

ولا يختلف الظلمة والطغاة، في الأغلب، عن باقي البشر في سعيهم وراء الحق والحقيقة «كما يرونها». والتاريخ القديم والحديث، الشرقي والغربي، شاهد على البشاعات الإنسانية التي ارتكبها هؤلاء باسم الحق والحقيقة. فأصحاب المنطق القديم يعتقدون أنهم وحدهم يملكون هذه الحقيقة الخالدة دون الناس جميعا. وهم في الواقع لو ولدوا في مجتمع آخر ونشؤوا على قيم أخرى لوجدناهم يؤمنون بها إيماناً عميقا، ولوجدناهم يدافعون عنها باستماتة ليثبتوا أنهم على حق وغيرهم على باطل. ولم تجن الأمم من هكذا منطق سوى أمراض التعصب والعدائية والانعزالية التي أعاقت تطور هذه المجتمعات وكانت السبب الرئيسي في تأخرها.

لذا سعت المجتمعات المتقدمة إلى تعزيز مبدأ النسبية الذي يرى في كل منطق/نظرية نسبية الصواب والخطأ في حدود الظروف الخاصة به. فما كان صوابا/معقولا في الأمس قد يصبح خطأ أو غير قابل للتطبيق اليوم؛ فكم من النظريات القديمة التي آمن الناس فيها إيمانا مطلقاً ثبت عدم صحتها سواء علميا أو فقهيا أو فلسفيا، مثل سطحية الأرض وثباتها، ومفهوم الزمان والجاذبية وغيرها من النظريات. ويتجلى أيضا عدم جدوى منطق الحقيقة المطلقة في تغيير كثير من الفقهاء ورجال الدين من فقههم نظرا لاستحالة تطبيقها لتبدل ظروف الزمان والمكان، وعلى سبيل المثال لا الحصر تغيير الإمام الشافعي لأحكامه حين انتقل من العراق إلى مصر.

إن ما يدعو للأسف والأسى أن مناهجنا التعليمية لاتزال تعتمد على نرجسية المنطق الأحق بدلا من تبني نظرية نسبية الحقائق، الأمر الذي أدى إلى اتساع الهوة بيننا وبين العالم الآخر. فبدلا من أخذنا بمقولة الشافعي «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، أصبحنا نقول العكس رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، بل ذهبنا إلى أبعد من ذلك حين دعونا إلى أن مخالفة «الكفار» مقصد من مقاصد الشريعة حتى إن كانت أطروحاتهم تحمل الصواب. فعقلية المتعصب لا ترى إلا الأبيض والأسود في المفاهيم، فإما الصحيح المطلق أو الخطأ المطلق. واعتقادنا باحتكارنا للحقيقة المطلقة يجعلنا نؤمن أننا على بينة وصواب وغيرنا على خطأ وضلال، وبالتالي وجب علينا أن نكون أنموذجا يتبعه الآخرون حتى لو بالقوة! فالفرق بين منطقنا ومنطقهم هو أنهم يؤمنون بأن الحق ملك للجميع، وأن أوجه الحقيقة متعددة ومختلفة. أما منطقنا فيعتمد على مقولة «من شك في كفرهم فقد كفر»!، وما انتشار الفتاوى التكفيرية وإهدار الدماء سوى نتيجة حتمية لهذه العقلية.

باختصار، لم تؤد بنا مناهجنا التعليمية الظلامية المبنية على الترويض والتلقين و«الببغاوية» إلا إلى الطريق السريع للتطرف والإرهاب الفكري والمسلح.