أجزم بأن تصريح الحكومة هذا لا يقوم على أي أساس موضوعي، ولذلك فلا يُلام من يقول بكل ثقة إن الحكومة تقصد ومع سبق الإصرار والترصد ألا تحل قضية البدون، وأنها في الحقيقة تعمل على إطالة عمرها وخنقها أكثر وأكثر.ما نشرته الصحف عن عزم الحكومة تقديم دراسة كاملة لحل قضية البدون لمجلس الأمة خلال الأيام القادمة، وأنه سيجري وفقها تقسيم البدون إلى شرائح ثلاث، تنال اثنتان منها الجنسية وتنال الثالثة حق الإقامة الدائمة، هو خبر رائع، بل أكثر من رائع... لو أنه ظل في إطار هذه العبارة ولم يتعدها!
لكن هذا الخبر السعيد، الذي جعلنا نستبشر بأن الحكومة ستتحرك أخيرا لحل هذه المأساة الإنسانية، والمشكلة السياسية/ الأمنية/ الاجتماعية التي كانت تكبر منذ عشرات السنين، لم يكتمل حيث لم يمهلنا من قام بالتصريح لقليل من الوقت، ولو لأيام معدودة، لنستمتع به، بل خنقه في مهده وقبل أن تنتهي سطور الخبر بقوله إن حل القضية سيكون على مدى عشر سنوات!
الله أكبر.. الله أكبر.. عشر سنوات؟!
هل تعرفون يا سادتي ماذا تعني عشر سنوات في قواميس الحكومات الجادة؟ إنها تعني العمر اللازم لتنفيذ خطة تتناول شؤون الدولة كلها بمرافقها ومستوياتها جميعها لأن تصلح من شأنها كله. إن عشر سنوات تكفي، وبحسب ما رأينا على الأرض في تجارب دول قريبة منا، لن أذكر اسمها حتى لا يصاب الحسّاسون بـ«الأرتيكاريا» السياسية، أن تنتقل دولة وبالكامل من حالة إلى حالة!
من أين جاءت حكومتنا الرشيدة بفكرة هذه السنوات العشر؟! هل هو رقم له دلالة، أم أنه رقم بلا أي دلالة ألقاه من ألقى التصريح والسلام؟! لا أدري، ولكن كأن الأمر مزحة ثقيلة أو نكتة.
من حقنا أن نتساءل على أي أساس علمي موضوعي قالت الحكومة إنها ستحتاج إلى عشر سنوات لحل القضية؟ وكيف يمكن للعقل أن يقبل أنها بكل قدراتها وطاقاتها ومواردها تحتاج إلى عشر سنوات إضافية أخرى حتى تصل إلى الحل؟! ماذا كانت تفعله إذن طوال السنوات الماضية كلها، حتى تأتي لتقول إنها بحاجة إلى كل هذا الوقت الإضافي لحل القضية؟!
أجزم بأن تصريح الحكومة هذا لا يقوم على أي أساس موضوعي، ولذلك فلا يُلام من يقول بكل ثقة إن الحكومة تقصد ومع سبق الإصرار والترصد ألا تحل قضية البدون، وأنها في الحقيقة تعمل على إطالة عمرها وخنقها أكثر وأكثر.
بل اليوم ومع تصريح السنوات العشر، كأني أرى الحكومة تأمل أن تفيق في صبيحة اليوم الأول بعد انقضاء هذه السنوات العشر، لتجد البدون كلهم وقد تبخروا واختفوا من داخل حدود الدولة، ونبت بدلا منهم نخيل وأشجار!
لا أريد أن أفسد على الحكومة حلمها، لكن هذا لن يحصل، فحتى الآن لم نشاهد من البدون من تحول إلى نخلة أو شجرة تين أو حتى بدأت تظهر عليه ملامح نباتية، وكل ما نراه أنهم يتكاثرون ويتزايدون ويزدادون ارتباطا بهذه الأرض التي صار لا يعرف أغلبهم مكانا غيرها، وصارت تزداد مشكلتهم تعقيدا.
لا أشك بأن حكومة 2018 ستجد نفسها إزاء مشكلة أكبر وأكثر تكلفة وتعقيدا، وستجلس تعض أصابع الندم على أن حكومة 2008 لم تفعل شيئا، وتتحسر وتغني وتقول «يا ليت اللي جرى ما كان»!