تأليف: محمد عبدالقادر الجاسم
الناشر: دار قرطاس للنشريبدو كتاب «الكويت مثلث الديمقراطية» لمؤلفه محمد عبدالقادر الجاسم الصّادر عن دار قرطاس في طبعته الثانية 2007، الطبعة الأولى 1992، اكثر ضرورة ولافتا للانتباه من خلال المقدمة التي يتساءل المؤلف فيها بمرارة عن «الفرصة الضائعة عندما لم يتبدل شيء في الفترة الزمنية الفاصلة بين الطبعتين، بالنسبة إلى الموقف من الديمقراطية». والكتاب في نظر صاحبه «محاولة لرصد الديمقراطية كنظام ومنهج حكم في الكويت سواء في الماضي أو الحاضر» وهو يبحث في أحد فصوله قضية هامة جدا وهي مدى ايمان اركان الحكم في الكويت بمبدأ الديمقراطية: «إذ إنه وبعد مرور ما يقارب الـ 45 عاما على صدور الدستور، ما زال بعضنا يعدّه العدو الأول، وما زالت الممارسة البرلمانية بدائية، تخلو من الهدف العام أو تكاد، والأهم من ذلك كله... ما زالت البلاد تعكف على محاربة رجال الدولة وإقصائهم... تحت راية تفكك الأسرة الحاكمة وانقسامها».والكتاب المحتوي على ستة فصول والذي هو بيان ما نعتقده انه مأزق الديمقراطية في الكويت، يعتبره صاحبه نتاج تفاعل مواطن مع أحداث بلاده، وهو يعدد الأهداف التي يتمنى تحقيقها من خلاله والتي تتلخص في «التوصل إلى المساهمة في تغيير اسلوب التعامل مع قضايا الوطن، حيث لا يمكن التعامل مع قضية مصيرية من وراء حجاب أو تحت تأثير غريزة حماية المصلحة الخاصة» وهو يتوخى من تلك الأهداف ايضا «الدفع باتجاه المصارحة في كل القضايا والتعامل مع الحقائق والأوهام والسعي لوضع اساسات جديدة لمجتمع جديد» (ص21) ويعتبر الكاتب ان صدور دستور الكويت لم يكن خطوة منفصلة عن التطور السياسي للمجتمع الكويتي: «فصدور الدستور حدث كبير والأحداث الكبرى لا تظهر فجأة، فلا بد لها من جذور وجذور ضاربة في العمق، ففي الدستور تحديد للعلاقة بين الحاكم والشعب وفيه رسم لملامح المستقبل وتحديد خط سير المجتمع لعقود قادمة ولا يمكن لوثيقة تتضمن هذا كله ان تصدر فجأة» وبذلك يصبح عرض الجانب التاريخي في الفصل الاول «نظام الحكم منذ عام 1756 ـ 1896، ومنذ عام 1896 ـ 1924 ومنذ عام 1924 حتى عام 1950 ثم نظام الحكم منذ عام 1950 حتى اعلان الاستقلال» امرا حيويا، حيث يركز الكاتب على أهم الأحداث التي توضح بجلاء طبيعة نظام الحكم في المرحلة السابقة على الدستور» ليخلص إلى أن الكويت قد عرفت أربع صيغ للحكم منذ نشأتها وحتى صدور الدستور عام 1962، الاولى ترتكز على التزام الحاكم مشاورة الاهالي في ما يعرض عليه من أمور حيث تتوافر مساحة كبيرة للمشاركة الشعبية، والثانية كانت صيغة الحكم الفردي المطلق، والثالثة هي مجلس الشورى تطويرا للصيغة الاولى في اعادة المشاورة، اما الرابعة فتمثلت في النظام النيابي، اذ انتخب اول مجلس تشريعي عام 1938، ومما يمكن اعتباره تطويرا لصيغة مجلس الشورى.قفزةويتساءل الكاتب في الفصل الثاني عن مسألة صدور الدستور، هل كان قفزة بالنسبة الى المجتمع الكويتي، ام انه استجابة طبيعية لسنة التطور؟ واذ يستعرض الاجراءات الممهدة لصدور الدستور ونبذة عن محتوياته، خصوصا تلك التي تتعلق بنظام الحكم، ثم يعرض لمناقشة آراء اركان الحكم في الدستور. وقبل صدور الدستور صدر مرسوم اميري بتاريخ 26/8/1961 قضى بانشاء هيئة تنظيم تتولى بالاشتراك مع المجلس الاعلى وضع مشروع قانون لانتخاب اعضاء المجلس التأسيسي الذي سيقوم باعداد دستور البلاد. ثم صدور مرسوم ليوم 1/10/1961 حدد الموعد لاجراء هذه الانتخابات، ثم صدر القانون رقم 25 لعام 1961 بنظام انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي حيث قسم الكويت الى 20 منطقة انتخابية ما لبثت ان عدلت الى 10 دوائر انتخابية بتاريخ 7/10/1961.مذكرةوقد اقر المجلس في جلسة 30/10/1962 باقي مواد الدستور وصوِّت على الدستور من دون مذكرته التفسيرية وقد حاز على موافقة الأعضاء بالإجماع. اما الدستور فقد احتوى نظام الحكم والمبادئ والقواعد حيث نصت المادة 50 منه على الآتي: «يقوم نظام الحكم على اساس فصل السلطات مع تعاونها وفقا لاحكام الدستور ولا يجوز لأية سلطة منها النزول عن كل او بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور».ويتساءل المؤلف في نهاية الأمر عن مدى اتصال الدستور بالماضي، بمعنى هل هو امتداد طبيعي له ام انه منقطع الصلة به؟ وكذلك عن مدى ملاءمة الدستور للبيئة التي صدر فيها ومدى توافق احكامه مع معتقدات الامة وافكارها. ويعتبر المؤلف ان قراءة وثائق عام 1986 تلخص اسباب حل مجلس الامة في ذلك الوقت.ويعتبر ان انشاء المجلس الوطني عام 1990 ما هو سوى امتداد لاجراءات عام 1986، اي كصدى لتحرك الشارع الكويتي ضاغطا ومطالبا بعودة الحياة الديمقراطية. ويبحث مؤلف الكتاب عن صيغة بديلة ليتساءل عن معنى الديمقراطية المقبولة وعن مواصفاتها واساسها دعما للصورة العملية في حال بقاء الدستور او في حال تعديله. اما عن تساؤله عن «تعثر مسيرة الحكم الديمقراطي في الكويت» فيجيب بوجود مجالين: «الاول في صلب الممارسة بمعنى البحث عن اسباب تعثر الديمقراطية من خلال البحث في مضابط جلسات مجلس الامة لتحرّي العلل، والثاني هو البحث في الاقتناع والايمان بمبدأ الديمقراطية». وهو بعد يعرض لنماذج التعاون في فكر الوزراء والنواب ويخلص الى ان مفهوم التعاون بين السلطات الدستورية كان في الحقيقة غائبا عن ذهن غالبية النواب والوزراء، فيقول: «مع شديد الاسف فرغم ان الدستور صدر عام 1962 الا اننا لا نزال نبحث عن حقيقة مفهوم التعاون بين السلطات ولا نجده في مضابط مجلس الأمة في فصله التشريعي السادس عام 1985» وللخروج من المأزق يدعو المؤلف إلى وجوب اعتماد رؤية اساسها الايمان بأن مصلحة اركان الحكم ومصلحة الشعب يجب أن تلتقيا وأن هناك «ثلاث قواعد راسخة يجب ان تتحكم في العلاقة بين الحاكم والشعب، الاولى واهمها على الاطلاق تلك الحقيقة الواضحة لدى الجميع والمتمثلة في استمرار حكم الاسرة ودعمه هو الخيار الافضل وثانيها طبيعة العلاقة التي تعتمد عليها في محاولة رسم طريق الخروج من المازق، فحكم الاسرة لم يفرض على الكويت فرضا وأساسه الاختيار والاتفاق حين اختار اهل الكويت الحاكم الأول، أما ثالثها فتتمثل في أن هناك اخطاء كثيرة قد ارتكبت وأن البلاد تعاني اوجاعا وهموما تفوق حجمها سببها الاساسي بعض الاخطاء في الادارة التي تسيطر عليها معايير ومفاهيم لا تخدم المصلحة العامة بل على العكس من ذلك فهي تدفع إلى مزيد من المشكلات (ص306) ويختتم المؤلف بالقول بأن الدستور الكويتي كان يهدف حقا إلى تأمين مسيرة المجتمع، فهو وصفة وقائية تمنع اصابة المجتمع بأمراض الاضطراب والتفرق.
توابل - حبر و ورق
الكويت مثلَّث الديمقراطيَّة
09-05-2008