كنت أتمنى على السيد العدساني، وهو في هذه السن المتقدمة، لو أنه لم يقبل هذا المنصب المجهد، وكنت أتمنى على الدولة لو أنها وضعت في منصب رئاسة ديوان المحاسبة أحد القيادات الشابة ممن يحملون من الشهادات والخبرات والقدرات ما يؤهلهم لإدارة مثل هذا المكان.
أعلم أني قد أدخل حقل ألغام بطرقي لهذا الموضوع «الفائت أصلاً»، إلا أنني لم أقدر على التخلي عن الفكرة لكونها تمثل أساسا إداريا مبدئيا في قناعتي ولابد من إقراره.منذ أيام جرى التصويت في مجلس الأمة على اختيار السيد عبدالعزيز العدساني، رئيساً لديوان المحاسبة وتم ذلك بالإجماع، وقد توقفت ملياً عند مسألة أن أحداً من النواب لم يعارض الترشيح إطلاقا من باب أن السيد العدساني، أطال الله في عمره، رجل كبير في السن!السيد العدساني كان عضوا في مجلسي 1992 و1996 عن دائرة كيفان، وأذكر أنه كان دائما ما يترأس الجلسة الافتتاحية وكذلك الجلسات التي يغيب فيها رئيس المجلس لأي سبب، بصفته رئيس السن أي العضو الأكبر سنا.مسألة من يتولى رئاسة ديوان المحاسبة من بعد وفاة السيد براك المرزوق رحمه الله، كانت قد دخلت في دائرة الشد والتأزيم السياسي حينما قام السيد جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة بترشيح السيد أحمد الكليب لرئاسة الديوان، فجوبه الأمر برفض واسع من بعض النواب والتيارات، لينتهي إلى اعتذار السيد الكليب مشكوراً عن المنصب وإخماده لتلك الأزمة، لذا واضح أن النواب كانوا مطاردين بهاجس تلك الأزمة القريبة حينما صوتوا للسيد العدساني، لذلك لم يودوا العودة إلى المربع رقم واحد، فوافقوا جميعا لينتهوا من الموضوع ويغلقوا الملف.أعلم تماما أن هناك من سيواجهني قائلا إن السيد العدساني من أنظف الناس كفا، وسأقول بهدوء بأني لا أشكك بهذا على الإطلاق وليس هو مقصدي، ومَن سيقول إن السيد العدساني من أسرة كريمة لها أياد بيضاء في الكويت، وسأقول بهدوء أيضا بأني لا أشكك بهذا ولا يعنيني، وأدرك أيضا أن هناك مَن سيجد في مقالي فرصة للوقوف ضد العدساني من باب موقفه السلبي الدائم من قضية البدون وسيجدها فرصة لاتهامه بالعنصرية، وسأقول إني أرفض خلط الأوراق حيث لا علاقة للأمر باختياره رئيسا لديوان المحاسبة.ما يهمني هو أن هذا المنصب، بما هو عليه من تخصصية عالية وحساسية بالغة، وبما يهيمن فوقه من صلاحيات وملفات شائكة عصيبة، ومن موقعه تجاه كثير من القضايا والأزمات ما بين الحكومة والمجلس، يتطلب شخصية مؤهلة تأهيلا جيدا في المجال التخصصي وكذلك ذات قدرة جسدية وعقلية ونفسية عالية، قادرة على العمل لساعات طوال بتركيز حاد مرتفع.لست هنا أتخذ موقفا من السيد العدساني نفسه، ولكنه موقف مبدئي مبني على أن الإنسان وعندما يتقدم بالسن يفقد هذه القدرات، وفقا للحقائق الفسيولوجية الطبية الراسخة التي لا تجامل أحدا لنظافة كفه أو لطيب أصله وفصله وكذلك لن تعاكسه وتقف ضده لسوء مواقفه أو أفكاره من قضية ما.كنت أتمنى على السيد العدساني، وهو في هذه السن المتقدمة، لو أنه لم يقبل هذا المنصب المجهد، وكنت أتمنى على الدولة لو أنها وضعت في منصب رئاسة ديوان المحاسبة أحد القيادات الشابة ممن يحملون من الشهادات والخبرات والقدرات ما يؤهلهم لإدارة مثل هذا المكان، ولا مانع لو أنها وضعت السيد العدساني في منصب استشاري في إحدى جهاتها القريبة مما يجيده على رتبة عالية كوزير مثلا تقديرا لمكانته وخبرته.لكنني أعود وأكرر اعترافي بأنه قد «سبق السيف العذل» فالموضوع «حليب مسكوب»، لكن قصارى الأمر أني علقت فكرتي على لوحة العرض، لعل وعسى يستفاد منها في القادم من الأيام والتجارب، هذا وأسأل الله السلامة والعافية للجميع.
مقالات
العدساني وديوان المحاسبة... والحليب المسكوب!
22-02-2009