يتكرس عندي هذا الشعور يوما بعد يوم حتى صار أشبه باليقين، قضية البدون ليست سائرة باتجاه الحل، لا خلال عام ولا عامين، ولا حتى خلال الأعوام العشرة التي طلع علينا أحد المسؤولين الحكوميين منذ أيام ليقول عنها، ما دمنا على هذه الحال. وعندما أتحدث عن الحل، فأنا لا أقصد حلا محددا بعينه... لا أتحدث عن التجنيس بأي صيغة مقترحة، ولا عن الحقوق الإنسانية والمدنية، إنما أتحدث عن أي حل والسلام.
المضحك أن الجميع يتحدثون عن رغبتهم بالوصول إلى حل، سواء ممن يقفون في صف البدون على اختلاف درجاتهم، أو حتى ممن يقفون في الناحية المقابلة ويتهمون كل البدون بأنهم من الأدعياء حملة الجنسيات الأخرى والمرتبط أغلبيتهم بالجيش العراقي الشعبي.كل هؤلاء يقولون إنهم يريدون حلا، لأنه لا يوجد عاقل يقبل بأن قضية البدون ستحل نفسها بنفسها، كما أنه لا يوجد من لا يدرك بأن بقاء القضية عالقة هكذا قد أدى إلى نتائج سياسية واجتماعية وأمنية خطيرة آخذة بالتكاثف والتزايد وستصل حتما في وقت من الأوقات إلى مرحلة الانفجار، وبالرغم من أن الجميع يتحدثون عن الحل فلا أحد يسير فعلا باتجاهه، لا من الحكومة، ولا من البرلمان بمختلف لجانه المختصة، ولا من الفعاليات الشعبية التي تتناول القضية.حسنا، وقبل أن يسألني أحدكم سأطرح أنا بنفسي السؤال: لماذا صار عندي هذا الشعور اليقيني بأن القضية لا تسير نحو الحل؟!صار عندي هذا الشعور لأسباب كثيرة، سأكتفي بالتالي منها وسأقسمه بحسب الجهات المرتبطة: أولا، الحكومة: لا توجد لدى الحكومة رؤية محددة تجاه كيفية حل القضية، أو على الأقل لا يوجد شيء شفاف ومعلن أمام الجميع، بل الواقع هو أن هناك شكوكا شعبية متنامية بوجود توجهات سياسية مخفية لخنق القضية أكثر وأكثر. كل ما تقوم به الحكومة هو إطلاق التصريحات المتناقضة وغير المترابطة على ألسنة مسؤولين يرفضون الكشف عن أسمائهم في الأغلب، من دون أن تجد في المقابل من البرلمان تصديا لها، والذي سينقلنا إلى الجهة الثانية المرتبطة بالموضوع، ألا وهي البرلمان حيث لا تشكل قضية البدون بالنسبة لأعضاء البرلمان شيئا أساسيا، بل هي مجرد قضية ثانوية. أقول هذا مع وجود لجنة مختصة بما يسمى شؤون غير محددي الجنسية. يعلو الصوت البرلماني للحديث عن قضية البدون في أوقات الانتخابات، ويخفت بعدها رويدا رويدا حتى يتلاشى، حتى أن النواب لا يكلفون خاطرهم مساءلة تصريحات الحكومة المرتبطة بالموضوع ولا حتى استيضاحها.اعتبار القضية قضية ثانوية عند النواب جعلها لا تحصل على الجهد والاهتمام الكافيين من قبلهم، وقد حضرت ولأكثر من مرة اجتماعات لجان برلمانية مختصة بقضية البدون، فإذا هي مجرد اجتماعات إنشائية لا تقوم على جدول أعمال ولا على أهداف ولا على أجندات زمينة محددة ولا على طلبات واضحة من السلطة التنفيذية. ورأيت بأم عيني كيف يسجل نواب أسماءهم في هذه اللجان، لسبب ما، ولا نراهم يحضرون اجتماعاتها ولا لمرة واحدة. اجتماعات تضييع للوقت والجهد والموارد بكل معنى الكلمة تساهم في إطالة أمد معاناة البدون والدوس على آلامهم.الجهة الثالثة، هي الفعاليات الشعبية، وعلى الرغم من أن هذه الجهات هي الأكثر نشاطا ومصداقية تجاه قضية البدون، فإنها تفتقر إلى خارطة طريق يكون واضحا فيها الخطوات التصاعدية للوصول إلى الحل. أغلب أنشطة هذه الفعاليات هي أنشطة مبتورة وغير متواصلة ولا تعزز من بعضها بعضا، كمثل أن تقام ندوة جماهيرية تحشد الناس وأجهزة الإعلام، ثم ينقطع النشاط وينسى الناس القضية، لنعود إلى المربع رقم واحد، وكأننا لم نفعل شيئا.لاأزال عند ما قلته في أكثر من مقال وفي أكثر من اجتماع حول هذاالموضوع. الحل سيأتي من الفعاليات الشعبية بقيادة البدون أنفسهم. لا الحكومة ستفعل شيئا بمحض إرادتها، ولا البرلمان سيوصلنا إلى نتيجة في ظل غرقه في قضاياه وصراعاته.إن الحل شعبي بيد البدون، وما يحتاجونه هو الاجتماع حول خارطة طريق تصاعدية لا تنقطع خطواتها، شريطة الاستفادة من ضغط الإعلام داخليا وخارجيا، وعندها سيذعن الجميع، حكومة وبرلمانا، للأمر الواقع وسيأتي الحل بإذن الله!
مقالات
قضية البدون وخارطة الطريق إلى الحل!
11-09-2008